منظمة فكرية وعلمية وثقافية مستقلة
جيش من ورق

جيش من ورق

د. زاهر حنني

رئيس وحدة الدراسات اللغوية والأدبية


جيش من ورق

يا كاتب التاريخ قف!
لا، لم أقل مهلا..
ما عاد خطك مقروءاً، ولا سهلا
قف عند ناصيةٍ .. ثم انعطف مَيْلا
عبئ فراغاتٍ تركتَ رموزَها
واكتب كما نملي عليك، فلست أهلا …
اكتب:
هنا بدأت رعود قاصفات
واستمرت تمطر الويلات ويلا
وما زالت روايةَ عاشقٍ تُملى…
هنا من غزة الأحرار لبى العاشقون
بنبضهم سيلا فسيلا
من بحرنا، انتفضت على الأمواج
ذَرَّت في عيون (الغول) رملا
ثم لَبَّت سابحاتُ صقورِنا؛ هطلا
من بعد صرخة أُمِّنا الثَكلى
وقد أحيَتْ بهم روحَ الجبابرة التي كانت لنا أملا
قفز المظليون فاكتشفوا…
أن الذين يقال عنهم (ليس يقهر جمعهم)
ليسوا سوى جيشٍ من الورق
يسترجلون بِعدِّهم وعتادهم ومؤونة النزقِ
يسترجلون بقاذفات دمارهم وبطائرات القتل والحنقِ
أعددتَ -يا ربي- رجالا ليس يَقهرُهم لهيبُ النارِ
وليس تهزمهم قنابل من شنار
لم يبق شيء… كلهم أحرار
اكتب، وقد كنت الكذوب، ولم يعد لك أن تكون…
سحلوا جنودا من ورق،
أسروا جنودا من خرق،
وصلوا إليهم فوق تلك الصافنات
وتحت جنح السابحات
فَفَرَّ منهم من نجا؛ ليكون يوما مخبرا…
اكتب:
هنا نابلس، أو جنين، أو طولكرم، أو غزة…
رجال الحق والعزة
هنا يطوون صفحةَ مكرِ من مكروا ومن ظلموا ومن قتلوا ومن جاسوا ومن داسوا ومن باعوا ومن خانوا…
هنا الفاروق والمقداد والأولى هنا حمزة
وتُطوى صفحة التطبيع… تحدث في المدى هِزة
معلقةٌ عيونُ العالم الخَجلى
وتنتظر القلوبُ مصيبةً حُبلى
وما زلنا كرأس الحربة الأَولى
نوزع في المدى سُبُلا
مللنا عد قتلاهم وأسراهم
ودمرنا أساطير الحكاية مرة أخرى
كشفنا كل أقنعة الخرافات
كشفنا زيف أنظمة العصابات
دفاعا عن كرامتنا… وما متنا
ليضحك عالم مأفون ينتظر الممات
ونحن نخرجه من الظلمات
اكتب:
هنا كانوا…
هنا ظلت فلسطين التي بالدم والطوفان أنجزت الخلاص
لكي تعيشوا…
اكتب:
هذا نداء نشيدنا الحيوي
جددناه بالنَّهجِ المُدمَّى
ها نحن نُقتلُ كي يعيش الآخرون
ها نحن نُقتل كي يعيش الطيبون
الخيرون الصالحون
اكتب:
وصايانا على دمنا
ومن دمنا
الله أقرب من حبل الوريد بنا
طعم البلاد على أصابعنا
لا شيء يهزمنا
فنحن هنا
اكتب:
هنا طوفان أقصانا
حملنا فوق أعناق الرجال ملامح الفرقد
لكي نحمي الزهور لكم
ونحرسَ قيمة الإنسان والمعبد
حملنا فوق أعناق الرجال مدامع عصرنا المجهد
ألا فاشهد…
يا أيها المبهور بالمشهد
يا أيها المفتون والمبعد
ألا فاشهد…
فلن يحميهم الآن الجدار
ولا حمولة طائرات الجو والمرصد
ولن يحميهم الغرقد
اكتب هنالك:
لم يعد يجدي البكاء
نساؤنا جفت مآقيها
وصارت كبرياء

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *