الدكتور إبراهيم أبو خزام
أستاذ القانون العام- ليبيا
هل الإمبريالية (ظاهرة) من الظواهر النابعة من طبائع الدول، أم هي خصيصة من خصائص الأمم والشعوب؟
الإمبريالية، في نظري، ظاهرة من ظواهر الدول، ولا شأن لها بطبائع الأمم والشعوب، وهي تظهر عندما تبلغ الدولة درجة عالية من “القوة المفرطة” وتتولد عندها “نزعة التبشير”.
يتطلب التحول الامبريالي إذَنْ شرطين أساسيين؛ القوة المفرطة، والشعور بالتفوق الحضاري الذي يولد الإحساس بمسؤولية الرسالة وضرورة نشرها، فلا علاقة للامبريالية بخصائص الشعوب المنبعثة من الدين والثقافة والأخلاق… الخ، فهذه العوامل لا تلعب غير دور ثانوي، لا يتعدى التأثير في الوسائل التي يمكن أن تتخذها الدولة للتعبير عن إمبرياليتها وكيفية نشر عقيدتها ورؤيتها ونظامها.
إن هذا الاستنتاج، بمثابة (قانون) من قوانين التاريخ، فالنظرة الفاحصة للتاريخ، تدل على أن الإمبريالية ليست من خصائص الشعوب، فلا يوجد شعب إمبريالي بطبعه، وآخر مسالم بطبعه، ولكن (الدولة) هي من تتحول من حال إلى حال.
إن المقام لا يتسع لعرض نماذج كثيرة تثبت صحة قانون تحوّل الدولة من دولة مسالمة إلى دولة إمبريالية توسعية، وسنكتفي في هذا المقال بعرض نموذج واحد للتحول الإمبريالي، هو النموذج الأمريكي، فأمريكا التي نراها اليوم دولة تمثل ذروة الإمبريالية، كانت، ولوقت طويل، أمةً مسالمة، لكنها تحولت، في لحظة ما، إلى دولة إمبريالية، مثلها مثل أمم كثيرة شهدت هذا التحول، فأمم أوروبا الغربية، مثل فرنسا وبريطانيا، كانت- في الأصل- أمماً مسالمة زمن الإمبراطورية الرومانية.
فقد اتصفت هذه الدول خلال فترات طويلة من تاريخها بالميل نحو الهدوء والوداعة والرغبة في السلام والتعايش، لكن هذه الأمم نفسها تحولت إلى أمم إمبريالية، بصورة تدريجية، عندما امتلكت القوة المفرطة والشعور بالتفوق.
أما الولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل ذروة الإمبريالية المعاصرة، فقد كانت منذ قرنين من أبرز نماذج الدول الداعية للتعايش، فمنذ فجرها الأول، اخترعت سياسة (الانعزال) التي اختطها الرئيس الأمريكي الأول (جورج واشنطن)، وذلك للابتعاد عن الصراعات والحروب الأوروبية.
إن سياسة الانعزال هي النقيض التام للإمبريالية، التي لم تكن مجرد “نزعة” ظرفية، في ذلك الوقت، بل تحولت إلى استراتيجية ثابتة على عهد الرئيس (جيمس مونرو) في القرن التاسع عشر، واستمرت نحو قرن كامل، وقد بلغت ذروتها بمبادئ (ولسون) الشهيرة في العقود الأولى من القرن الماضي.
إن هذه السياسة المعارضة للإمبريالية، نجمت عن ضعف الدولة مقارنة بالامبراطوريات الأوروبية في ذلك الوقت وطبيعة الشعب الأمريكي المسالمة قبل أن تلوثه الرأسمالية المتوحشة المسيطرة عليه اليوم.
في القرن التاسع عشر، كتب القاضي والمفكر الفرنسي (الكسيس دو توكفيل) كتابه المعروف “الديموقراطية في أمريكا”، قدّم فيه وصفاً للمجتمع والدولة والمؤسسات الديموقراطية؛ فبعد سنوات قضاها هذا القاضي اللامع لدراسة كان يفترض أن تتجه لدراسة نظام القضاء والسجون في هذه الدولة الناشئة، أخذه الإعجاب ليدرس حالة أمريكا كلها، فأصدر عام 1835م هذا السفر العظيم عن هذه البلاد، وهو في ظني ينطوي على أفضل وصف لمرحلة ما قبل الإمبريالية، وفي الكتاب تنبأ توكفيل بأن هذه الدولة ستغدو من أعظم الدول في القرن العشرين بسبب سلامة مؤسساتها وطبيعة مجتمعها (الفطرية)، والكتاب لم يفقد إلى اليوم أهميته.
ينطوي الكتاب على تحليلات عميقة للتكوين السياسي والنفسي للدولة الأمريكية، وما يهمنا منه في هذا المقام هو الرؤية للعالم عند النشأة الأولى التي انبثقت من الثقافة والتكوين النفسي، فالمجتمع الأمريكي تكون من (الهاربين المتطهرين) نحو عالم جديد حيث (لا فوارق ولا إقطاع ولا بوليس ولا كنيسة) وهي منابع المظالم في العالم القديم، فتأسست الدولة على أهم قيمتين (الحرية والمساواة الاجتماعية).
ومن هاتين القيمتين نبعت خصائص المجتمع الأمريكي ومنها الفردية، المحافظة، تقديس الحرية والتدين الفطري؛ فقد مزجت أمريكا بين (روح الدين وروح الحرية) كما يقول توكفيل، وقد لاحظ، منذ ذلك الوقت، التناقض الكبير بين رؤية الشعب المشبع بالديموقراطية وبين جيشه، فالشعب الديموقراطي، يميل بطبعه للاستقرار والسلام، أما الجيش فهو ميَّال للصراعات والحروب (1).
لقد كتب توكفيل والولايات المتحدة الأمريكية في ذروة (الانعزالية) بعد ظهور مبدأ “مونرو” بسنوات قليلة، وقد تنبأ في هذا الكتاب، بأن أمريكا وروسيا ستتحولان إلى أعظم قوتين في القرن العشرين، ولكنه لم يتنبأ أبداً بأن أمريكا ستتحول إلى دولة إمبريالية بسبب طبيعة شعبها وظروف تكوينها في قارة شاسعة مليئة بالخيرات، وذلك رغم معرفته– بلا شك- بأساليب العنف والقسوة التي طبعت مرحلة التكوين والنزعة التبشيرية في الموروث الأمريكي منذ النشأة الأولى التي عبّر عنها بوضوح شديد (جون ونثروب) من على ظهر السفن منذ عام 1630م مدعياً أن الهجرة نحو العالم الجديد تأتي تنفيذاً “لخطة الرب” بتشييد “دولة على تلة” تلهم العالم، ولكن، رغم هذه النزعة المبكرة، فإن (الروح الإمبريالية) لم تظهر في أمريكا، بسبب الضعف والخوف، فأقصى ما كانت تطمح إليه، في ذلك الوقت، (التوسع الناعم) بصفقات الشراء من إمبراطوريات العالم القديم.
بعد نحو قرن مما كتب توكفيل، كتب الصحفي البريطاني (دوغلاس ريد) كتاباً سماه “Far and wide – بعيداً وواسعاً” لوصف المجتمع الأمريكي الذي يستمد خصائصه من البعد عن العالم القديم الذي يجنبه الصراعات والحروب، والاتساع الذي يسمح بتكوين إمبراطورية عظمى بالغة الثراء، ومن هذين المفتاحين تَشَكّلت الشخصية الأمريكية، لكنه لاحظ أن (كل الأمريكيين يهرولون، واستنتاجه أن بعضهم يحاول الهرب من ماضٍ يخاف أن يلحقه، وبعضهم يحاول الإمساك بفرصة يخاف أن لا يلحقها) (2)، ففي الحالتين، تسيطر حالة الخوف، وهو ما يمنع التطلع الإمبريالي. وفي مطلع هذا القرن، كتب الصحفي المصري الكبير “محمد حسنين هيكل” رحمه الله، سلسلة من المقالات في المجلة الرصينة (وجهات نظر- الكتب) عن الولايات المتحدة الأمريكية في محاولة جديدة لفهم سياستها التي أصبحت غير معقولة ولا مفهومة لمعظم الناس؛ لتناقضها الحاد مع قيمها المعلنة ودستورها المكتوب وحتى مصالحها القومية، وكان من بينها وفي مقدمتها مقالة بعنوان (إعادة اكتشاف أمريكا) ذكر فيها، أنه عَبَرَ المحيط وزارَ الولايات المتحدة الأمريكية نحو ثلاثين مرة في فترة شملت نصف قرن كامل، التقى خلالها صفوة المجتمع الأمريكي، رجال السياسة والثقافة والصحافة والصناعة والقادة العسكريين… الخ. ويبدو أن كل ذلك لم يكن كافياً لفهم أمريكا لأنها (أصبحت ظاهرة غير مسبوقة في قصة الإنسانية، فهي حاضرة في كل قارة من قارات الدنيا، ضاغطة في كل إقليم، محشورة في كل بلد، مندسة في كل بيت، وتلك أحوال تدعو بالتأكيد إلى القلق، لأن العالم لم يعرف من قبل دولة “متداخلة” إلى هذا الحد في حياة ومستقبل غيرها من الدول، وقد عرف العالم من قبل دولاً “متدخلة”، لكن التداخل الأمريكي في حياة البشرية مع بداية القرن الواحد والعشرين، تجربة طارئة تستوجب “القلق” وتستدعي التنبه، في محاولة للفهم هي الآن “ضرورية” وعاجلة!) (3).
وفي محاولته للفهم و(إعادة الاكتشاف) يضع بين يدي الناس اثني عشر مفتاحاً، استقاها، فيما يبدو من كتاب “دوغلاس ريد”، (بعيداً وواسعاً) وغيره من الذين كتبوا عن خصائص المجتمع الأمريكي وتاريخه وخلفيات تكوينه، فضلاً عن تجربته الخاصة الناجمة عن تجربة قل مثيلها في الاحتكاك بالدبلوماسية الأمريكية، والواقع أن كل ذلك كان مدعاة لحيرته وقلقه.
ومن مفاتيح “هيكل” أن أمريكا أمة محظوظة فهي بلد فادح الغنى، وبلد سهل وبلا عقد على عهد براءتها الأولى، لكن هذا الغنى المفاجئ لم تروضه ثقافة متأصلة، ونتيجة لذلك فإن هذا البلد (قوة هائلة لكنها ساذجة)، لم تصل إليها خبرة وحكمة القارات القديمة، وبرغم هذه الصورة البراقة فقد كان هناك كلام كثير، مؤدَّاه، أن المخفي يختلف عن المعلن (4). وقد يكون ذلك بسبب خلفيات تكوين المجتمع الأمريكي، الذي نشأ في معظمه من الهاربين من جحيم أوروبا ومسلكهم الدموي مع الأمم الأصلية وعقيدة القسوة والعنف التي اتبعت عند التأسيس، دون ضمير يردع أو شرائع تكبح، ثم يقدم “هيكل” عدة مشاهد لتأكيد سلامة مفاتيحه.
ومع كل ذلك، فإن الدولة الأمريكية تأسست باعتبارها “ملجأً” أكثر من كونها “موطناً”، فطوال قرون اندفعت نحوها شعوب وأجناس وأديان، وذلك هو الذي أضاف لخصائص التكوين فضائل التسامح ونبذ التعصب والدعوة للتحرر وحق تقرير المصير والطيبة الفطرية التي تظهر في المجتمع الأمريكي، فمن يعيش مع الشعب الأمريكي أو يعرفه عن كثب يستطيع تلمس هذه الفضائل، فالشعب الأمريكي من أقل الشعوب الغربية ميلاً للعنصرية، وأكثرها تديناً ومحافظة، وينزع نحو الطيبة والتسامح، وذلك على العكس مما تظهره وسائل الإعلام أو تعكسه التصرفات الحكومية الفجة المتعجرفة.
في عام 2006م زرت الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة ضمن وفد كبير كان هدفه تعزيز الانفراج في العلاقات الليبية الأمريكية بعد فترة طويلة اتسمت بالصراع والتوتر، وقبل رحلتي تسلحت بقراءة ما كتبه الأستاذ هيكل عن مفاتيحه لفهم المجتمع الأمريكي، وعلى مائدة عشاء، نظمتها وزارة الخارجية الأمريكية، وجدت نفسي على مائدة واحدة مع السيد “ديفيد ولش” مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، وهو رجل طيب ومتواضع، على عكس ما يظهر في التصريحات والأخبار، وبعد أن عرف أنها زيارتي الأولى لبلادهم وأنني جئتها بصفتي الأكاديمية، فسألني عن انطباعي وماذا سأقول لطلابي عند العودة، وقد أجبت بأنني أعرف كثيراً عن أمريكا، نظامها ودستورها وتاريخها وسياستها وأبطالها ورجالها، ومع ذلك فقد قرأت (مفاتيح هيكل الاثني عشر) لأستعين بها لزيادة الفهم، فسألني عما إذا كانت هذه المفاتيح مطابقة لما وجدته، فأجبت بأن ما ينقصها هو مفتاح واحد وهو (أنكم حكومة شرسة لشعب طيب) فأعلن موافقته بعد ضحكة طويلة!!
كيف تحولت أمريكا إلى دولة إمبريالية
رغم الخليط من الخصائص التي تطبع التاريخ الأمريكي وظروف النشأة، إلَّا أن التاريخ الأمريكي الحديث- على الأقل- منذ الاستقلال، لا يوحي بإمكانية التحول نحو الدولة الإمبريالية، فمنذ الفجر الأول نقرأ في إعلان الاستقلال الدعوة للحرية والمساواة بين الشعوب ومناهضة الظلم والطغيان والاستبداد، وهي المبادئ التي يكرسها الدستور، وهي السياسات التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية فور نشأتها، بدءاً بمواعظ “واشنطن”، وانتهاءً بمبادئ “ويلسون”، مروراً بمبدأ “مونرو”، وذلك فضلاً عن طبيعة الشعب الأمريكي المحافظ المتدين، ومع ذلك فقد تحولت (الدولة) الأمريكية إلى دولة إمبريالية غاشمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على الأقل، لماذا حدث هذا التحول الذي لا يستقيم مع طبيعة الشعب الأمريكي ولا توجهاته ومعتقداته؟
هناك من يعيد هذا التحول إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، منذ تأسيسها، حظيت بنوعين من الآباء المؤسسين، هما رجال الفكر والسياسة الذين كتبوا إعلان الاستقلال والدستور من أمثال جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وبنيامين فرانكلين وغيرهم، أما النوع الآخر فهم (البارونات اللصوص) من القراصنة والإقطاعيين ورجال الأعمال والمرابين أصحاب البنوك… الخ. وبينما سيطرت قيم النوع الأول عند تأسيس الدولة في فجرها الأول فبرزت الدولة الديموقراطية المسالمة الداعية للتعايش والسلام، فإن مصالح البارونات اللصوص تغلبت في النهاية، وهي التي انزلقت بالدولة نحو الإمبريالية.
إن هذا العامل المحدود لا يمكن أن يفسر هذا التحول الجوهري في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، فرغم أن مصالح فئات محدودة يمكن أن تحدث بعض التأثير وتجر الدولة نحو منزلقات ظرفية خطيرة إلَّا أنها لا يمكن أن تقلب سياستها بصورة دائمة.
يكمن التحول الإمبريالي الأمريكي في توفر اشتراطاته التاريخية، وهي (امتلاك القوة المفرطة) و(طغيان النزعة التبشيرية).
وما من شك أن النزعة التبشيرية كامنة في العقل الأمريكي منذ النشأة والتأسيس، وقد عبّرت عنها الأدبيات الأمريكية منذ وقت مبكر ومارستها الطلائع الأولى التي استوطنت القارة ضد الجيران الضعفاء من السكان الأصليين، أما التحول نحو الإمبريالية العالمية فقد كان ينتظر استكمال شرط القوة المفرطة، وهو ما حدث فور انتهاء الحرب العالمية الثانية حين أصبحت أمريكا القوة العظمى.
وتلك هي سُنة التاريخ وهي من طبائع الدول.
الحالة الصينية
يثير الصعود الصيني اليوم أسئلة كثيرة، تتطلب الإجابة عنها قراءات معمقة للتاريخ والثقافة والتكوين النفسي للشعب والدولة الصينية ورؤيتهما للذات والإقليم والعالم، ومن ضمن هذه الأسئلة الكثيرة ما يدور حول إمكانية تحول الصين إلى دولة إمبريالية تميل للتوسع وتنخرط في الصراعات والحروب من أجل ما تظن أنه من واجباتها ورسالتها، فوفق معظم المراقبين، فإن الصين في طريقها لأن تكون قوة عظمى، مما يؤهلها لأن تكون شريكاً أساسياً في النظام العالمي على الأقل، هذا إذا لم تنفرد به وتغدو قوةً مهيمنة، فالصين، خلال سنوات قليلة، سوف تصبح القوة الاقتصادية الأولى، وليس من المستبعد أن يقودها هذا التفوق إلى التفوق في المجالات الأخرى العلمية والتقنية والعسكرية، وهو ما يؤدي- في النهاية- إلى اكتساب (القوة المفرطة)، وهي الشرط الأساسي للتحول الإمبريالي.
وهناك- اليوم- وجهتا نظر، تذهب الأولى، إلى أن الصين ستغدو مثل غيرها من الإمبراطوريات التاريخية، دولة إمبريالية، أما الثانية، فتذهب إلى أن الصين دولة مختلفة عن الإمبراطوريات الغربية، فهي مهما تعاظمت قوتها، فإن هدفها ينحصر في تحقيق ذاتها، وأن أقصى ما تسعى إليه هو حصولها على “الاحترام الدولي”.
ووفق وجهة النظر الأولى، فإن الحالة الإمبريالية ليست صفة ملازمة لأمم بعينها، بل هي حالة تنشأ بطريقة تدريجية إذا وصلت الدولة الى درجة من القوة المفرطة تقودها إلى الشعور بالتفوق والتميز عن غيرها من الأمم، مما يدفعها إلى العمل على التوسع وفرض طريقة حياتها وحضارتها ورؤيتها ونموذجها على الشعوب الأخرى، فالتفوق يقود بطبيعته إلى ظهور (النزعة التبشيرية) والإحساس بمسؤولية الرسالة. وهناك وجهة نظر معاكسة، تذهب إلى أن الصين أمة مختلفة تماماً، وهي غير قابلة للتحول إلى أمة إمبريالية؛ والحجة الأساسية لأصحاب هذا الرأي، تعود إلى العامل الثقافي، فالثقافة السياسية للمجتمع الصيني والنخبة الحاكمة فيه، لا تميل لقيادة الصين نحو التحول لأمة كونية، بل إن ما تسعى إليه هو الوصول بالصين إلى مكانة دولية تضمن احترامها واستعادة دورها في محيطها المباشر، وليس من المتوقع أن يقوم الصينيون بتأسيس نموذج جديد يحل محل النظام الغربي، فالصينيون لم يكونوا يوماً مبشرين على نحو ما هو موجود في الغرب منذ مئات السنين، ومع هذا الرأي “هنري كيسنجر”، فقد كان يرى أن الصين مختلفة عن القوى العظمى في الغرب وإمبراطورياته، وهدف الصين ليس تحقيق الإمبراطورية بالمعنى المفهوم في التقليد الغربي، ولكن هدفها هو تأسيس نفسها بوصفها “جنة الأرض” على الأقل في منطقة آسيا والمحيط الهادي، فالصين لم تتخط حدودها في أوج قوتها الإمبراطورية، وهي لم تملك يوماً مراكز متقدمة فيما وراء أعالي البحار، وقد انغلقت دوما داخل سورها العظيم (5).
في عام 2008م زارنا في ليبيا وفد صيني رفيع يتكون من رجال أعمال وأساتذة جامعات ومثقفين، ويقوده أحد الحزبيين الكبار، وذلك تحت مظلة جمعية الصداقة العربية الصينية، وقد كان من حظي تكليفي بمداخلة عن العلاقات العربية الصينية في الماضي والمستقبل، وقد فعلت، لكن مداخلتي لم تنته بصورة حميمة رغم أنها لم تنقصها المجاملة، فبعد أن أشَدْت بتاريخ العلاقات بين الطرفين، طوال التاريخ، وبعد أن تحدثت عن المستقبل الذي يمكن أن يكون مشرقاً، فقد عبّرت عن مخاوف تنبعث من احتمال تحول الصين إلى دولة إمبريالية على طريقة الإمبراطوريات الغربية، مما يشكل مخاطر الخروج عن السياق التاريخي للعلاقات بين الطرفين، فما كان من القيادي الشيوعي إلَّا التعليق بنبرة (لا تخلو من غضب)، معتبراً أن ذلك يشكل سوء فهم لنظرة الصين ورؤيتها، فهي أمة لا يخطر على بالها مثل هذا التحول، فهي بحكم ثقافتها وقيمها وموروثها التاريخي أمة لا تنزع نحو العدوانية، وتنام على قيم عظيمة مستمدة من أديانها وفلسفة روادها وأيديولوجيتها الإنسانية ورؤية قياداتها الحكيمة، فهي لا تزال وستظل تقدم نفسها باعتبارها جزءاً من العالم الثالث، تنتمي لثقافته وقضاياه وأحلامه، وذلك مهما بلغت من تقدم وما ستصل إليه من قوة، ثم إن الإمبريالية باعتبارها “فكرة وحالة” من منتجات العالم الغربي وإمبراطورياته ورؤيتها للصراع العالمي، وذلك- بالقطع- لا يلائم الصين.
ورغم قلة معرفة العرب الواسعة بالصين، فإنني أزعم أن لدي معرفة “معقولة” عن الصين، فقد قرأت ما كتب (بدر الدين الصيني) عن علاقتها القديمة بالعرب، وما نقله عن العالم العربي “ابن خردذابة” و”سليمان التاجر السيرافي” الذي أخذه الإعجاب بالشعب الصيني حتى كتب أن “أهل الصين أنزه وأحسن وأصح الناس وأقل أمراضاً، لا يكاد يرى بها أعمى ولا أعور، وهم أشبه بالعرب في خلقهم وهيئاتهم ومواكبهم” (6)، وقد اطلعت على جوانب من ثقافتها، من تعاليم (كونفوشيوس) إلى إستراتيجيات “صن تزو” فضلاً عن تاريخها الحديث وما وصل لِيَدِي من الأدب الصيني المعرّب، فضلاً عن زيارات عديدة للصين في مراحل مختلفة من تقلباتها، كما أتيح لي التعرف على عدد من دبلوماسييها، وأكدت لي هذه المعارف والتجارب عظمة هذا الشعب وما يتصف به من تواضع وأدب واحترام للآخرين ونشاط يندر وجوده، غير أن المشاعر والانطباعات لا تصلح عند تفسير قوانين التاريخ.
نعم، إن الصين تختلف كثيراً، من بعض الوجوه، عن الإمبراطوريات الغربية الحديثة، فهي أمة شرقية لا يمكن قياس مسلكها ورؤيتها بالمقاييس الغربية، فهي أمة مختلفة كلياً عن الولايات المتحدة الأمريكية، فهي أمة عريقة تفصلها آلاف السنين عن أمريكا، وهي تعيش على قيم وموروث حضاري لا يمكن أن يقاس بالتاريخ والتراث الأمريكي المستجد، ومع ذلك فلا يمكن استبعاد ” طبائع الإمبراطوريات بصورة كاملة.
يعد (كيشور محبوباني) المفكر والدبلوماسي السنغافوري من أفضل المحللين الآسيويين، وهو فضلاً عن مكانته الفكرية فقد شغل مناصب دبلوماسية رفيعة، ومن أهمها منصب سفير بلاده في هيئة الأمم المتحدة لأكثر من عشر سنوات، أتاحت له فرص الاحتكاك بالأوساط الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية، بما في ذلك قيادات رفيعة من أمثال “كيسنجر”، وقد كتب عدة كتب عن آسيا والصين في ظل التحولات العالمية، لعل آخرها كتابه (هل انتصرت الصين؟) عام 2020م، وهو فيما يبدو شخصية ليبرالية متأثرة بالثقافة الغربية، لكنه لا يخفي إعجابه بالصين، وهو على يقين بأن الصين- إذا صححت بعض أخطائها- ستغدو القوة الأولى بعد وقت ليس بعيداً، وهو ما دفعه، في كتابه الأخير، إلى طرح سؤال خطير في الفصل الرابع: (هل الصين توسعية؟) ومثل غيره من المفكرين، تأخذه الحيرة!! (7).
تنبعث الحيرة من تنوع التاريخ الصيني، فهذه الأمة يمتد تاريخها آلاف السنين، لكنه مليء بالتنوع وينطوي- أحياناً- على مواقف متناقضة، فقد خاضت هذه الأمة، ببسالة، مئات الحروب التي يتسم معظمها بالطابع الدفاعي، أما ثقافتها، على العموم، فتنطوي على الوداعة ومحبة السلام، ومن المحتمل أن معظم حروبها كانت حروب اضطرار، وهو ما يعكسه الفكر الاستراتيجي لـ(صن تزو)، فرغم أن الرجل كان من أعظم المنظرين (لفن الحرب)، وقدّم نظرية شاملة لمختلف أشكال الحروب الهجومية والدفاعية، إلَّا أن أهم توجهاته كانت تدعو إلى تجنب الحرب قدر الإمكان، ففي نظره (أن الفوز بمائة انتصار ليس ذروة المهارة، ذلك أن إخضاع العدو دون قتال هو ذروة المهارة). ويذهب “محبوباني” إلى الاعتقاد بأن الصين ذات طبيعة مسالمة، ففي ذروة قوتها العسكرية لم تشارك الإمبراطوريات الغربية في حملات الغزو والفتح والاستعمار، وفي وقت كانت فيه الصين قوة بحرية عظيمة تمتلك القلاع البحرية الأعظم قوة من البرتغاليين والإسبان والإنجليز والفرنسيين، فإنها لم تدخل التباري الاستعماري، ولقد كانت قادرة مثلاً على فتح أستراليا وهي على مرمي حجر من تخومها، لكنها لم تفعل، وهي ترى الأساطيل الأوروبية تندفع إليها وإلى غيرها من الأماكن المجاورة للصين.
ينطوي التاريخ الصيني على الكثير من العجائب، فهي بحكم تاريخها الطويل مرت بمراحل متنوعة تدور بين القوة والضعف. فقد كانت في وقت ما القوة العظمى في محيطها، لكنها لم تدَّعِ المسؤولية عن أحوال العالم، فالصين، كما يقول “كيسنجر” في كتاب (النظام العالمي)، لم تكن يوماً مجتمعاً تبشيرياً بالمعنى الغربي للعبارة (8)، وفي مراحل تفوقها حين كان إمبراطورها يعتقد بوجوب خضوع (كل ما تحت السماء) لسلطانه، كانت الصين تؤمن بالصداقة بين الشعوب رغم عدم الندية بينها، وباستثناء طقوس السجود التي فرضتها على ضيوفها في حضرة الإمبراطور، لم تمارس سياسة إمبريالية. ومن الغريب أن التقاليد الصينية، لم تنشئ في هيكلها الحكومي في زمن طويل وزارة للخارجية، ولم يحدث ذلك إلَّا في أوقات قريبة جداً، فقد نظرت لنفسها على أنها أمةٌ مكتفية بذاتها، ولا حاجة لها بالآخرين، ويحتوي تاريخها الحديث على كثير من طرائف الدبلوماسية التي تعكس عدم اهتمامها بالآخرين مهما علا شأنهم، وحتى بعد هزائمها العسكرية فإنها تجبر أعداءها على اعتناق قيمها، ولا يزال هناك تقليد متبع على مستوى جيرانها الآسيويين يقوم على الاعتذار لها عن انتصارهم عليها.
كما يقول “كيشور محبوباني”: تقوم الثقافة الصينية على قيم مختلفة عن الغرب عند النظر للبطولة والأمجاد، فبينما تمجد الثقافات الغربية البطولات العسكرية، فإن الثقافة الصينية تمجد بطولات العلماء والرجال المهرة (9).
ما من شك أن التاريخ الصيني، بحكم ثرائه وامتداده الطويل، يقدم تفسيرات متنوعة للنزعات الصينية، وبإمكان الباحث العثور على كل ما يدعم استنتاجاته، فكما تقدم الصين أمثلة غزيرة على طبيعتها المسالمة، فإن تاريخها الإمبراطوري لا يخلو من العجرفة، وإن كان المدافعون عن طبيعتها المسالمة يرجعون عجرفتها الطارئة إلى السلالات الأجنبية التي حكمتها أحياناً وانحرفت بها عن طبيعتها الحقيقية.
في التوازن الدولي القادم، لا شيء مؤكد أكثر من تحول الصين إلى قوة عظمى، وعندما تصبح كذلك، هل ستؤكد قوتها ونفوذها مثلها مثل جميع القوى العظمى بالأسلوب الإمبريالي الذي عرفناه طوال القرون الماضية، أم أنها ستتبع نهجاً آخر لتأكيد مكانتها؟
يذهب الاستنتاج في الدول الغربية عموماً، إلى أن الصين ستغدو دولة إمبريالية إذا سمح لها بالتفوق، لذلك يجب التحسب ومنع العملاق الصيني من النهوض، ومن المحتمل أن الاستنتاج الغربي ينطلق وينبعث من المقاييس الغربية والسلوك الغربي نفسه، فكل الإمبراطوريات الغربية مارست الإمبريالية المتوحشة عند صيرورتها قوة عظمى، فمن الإمبراطورية الرومانية إلى الإمبراطورية الأمريكية، لم تظهر قوة غربية (رحيمة)، فماذا يمنع الصين من السير على النهج نفسه؟ لذلك فإن الاستراتيجيات الغربية، بدون استثناء، تقوم على الاستعداد لمواجهة الصين والعمل على إعاقة تطورها في اتجاه التحول لقوة عظمى، ومنذ بداية هذا القرن تنامت (الفوبيا الصينية) والدعوة للتحسب والحذر وحتى التآمر. أما في الولايات المتحدة الأمريكية، التي هي الخاسر الأكبر، فإن إستراتيجيتها المعلنة لم تعد تخفي عداءها السافر للصين، معلنة اعتبار الصين عدوها الحقيقي الأول، ففي كل استراتيجياتها وخطط دفاعها لا توجد أي مواربة تجاه تصنيف الصين، وفي كل البرامج الانتخابية تقفز الصين للمرتبة الأولى في جداول أعمال الزعماء، وحتى في ذروة الحرب (الروسية الغربية في أوكرانيا) لم يتلاش العداء للصين ولو من زاوية التكتيك، وفي كل محافل الغرب السياسية يتصاعد التنبيه نحو عدم نسيان الصين باعتبارها العدو الأول، وفي غمرة الصراع الغربي الروسي، لم ترتفع درجة العداء لروسيا إلى مصاف الصين، وهناك من يذكر دائماً، بأن روسيا، مهما كانت الأحوال، تظل جزءاً قريباً من منظومة الغرب بالجغرافيا والتاريخ والحضارة والثقافة والموروث الديني، فهي أوروبية في نهاية المطاف، بل إنها أكثر أوروبية من بريطانيا في نظر بعضهم، وفي جميع الأحوال، فإن روسيا (إمبراطورية ناقصة) يعوزها التطور الاقتصادي والعلمي، ولا تشكل مخالبها العسكرية- لوحدها- تحديات مميتة، مقارنةً بالصين.
وفي هذا المناخ، لا تزال الصين تقدم نفسها للعالم باعتبارها قوة خيرة، تسعى لإعادة التوازن للعالم المضطرب دون أية تطلعات إمبريالية، وتشكل مبادرة (الحزام والطريق) المحتوى الموضوعي “للرؤية الصينية”، فهذه المبادرة الهادفة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري تخلو- على الأقل في الوقت الراهن- من أي نزعة عسكرية.
الإمبريالية الناعمة
يذهب رأينا، إلى أنه مهما كانت قوة الاعتبارات الثقافية والأخلاقية، فإنها لن تمس كثيراً بثوابت التاريخ وقواعد الصراع، وهذه وتلك تشير إلى أن القوة المفرطة تولد شكلاً من أشكال الإمبريالية، لكن القوة المفرطة وحدها لا تكفي؛ إذ يلزم أن تصاحبها “النزعة التبشيرية”، فهل يتوفر الشرطان في حالة الصين؟
من المرجح- في اعتقادنا- أن يظهر في الصين نوع جديد من الإمبريالية، يصح أن نطلق عليه “الإمبريالية الناعمة”، وهي إمبريالية تعتمد على فرض قواعد الصين في التنافس اعتماداً على القوة الاقتصادية والتجارية دون التورط في صراعات ذات طابع عسكري، فالصين، على الأرجح، لن تلجأ لأساليب الإمبريالية المعهودة في النمط الغربي.
وهناك جملة من الاعتبارات التي تدعو لهذا الاستنتاج؛ ففضلاً عن الاعتبارات الحضارية والثقافية والدينية التي تكبح الميل نحو العجرفة، فإن الصين لن تكون في حاجة إلى فرض قواعدها بالقوة بسبب قدرة نموذجها الاقتصادي والتنموي على فرض نفسه، أما نموذجها السياسي فإنها ليست حريصة على تعميمه، وهو ما يدل عليه سلوكها في الماضي والحاضر، فالصين عندما كانت في ذروة الشيوعية أيام (ماو تسي تونغ) لم تسلك الطريق التبشيري، فمع تعاطفها المعروف مع حركات التحرر، ومعظمها كان يساريّاً، لم تسلك الطريق السوفيتي، ورغم أنها تقدم اليوم نموذجاً سياسيّاً جديداً يقوم على رؤية خاصة لنوع من الديموقراطية الحزبية والتبدلات الهادئة في القيادة، إلَّا أنها لا تقدم هذا النموذج لأحد، وهناك اعتبارات أخرى لا تقل أهمية، ومنها (البطء) الصيني المعروف في التحول الاستراتيجي و(محدودية) الرؤية الصينية للعالم.
إذ تشتهر الصين بصبرها الطويل المستمد من اطمئنانها، كونها أمة كبيرة تعيش على مساحة واسعة، مما يجعلها أقل خوفاً من الاضطرابات العالمية، وهو ما يقود إلى التريث ويسم سياستها الخارجية بالبطء الممل أحياناً، فالأرجح ألَّا تميل للسياسات الثورية مهما تعاظمت قوتها، أما محدودية رؤيتها للعالم فتنبعث من اهتمامها التقليدي بمحيطها القريب دون الاهتمام بالصراعات البعيدة عنها، ولطالما استغربت الصين واستهجنت الأسلوب الأمريكي بالتورط في الصراعات العسكرية غير الضرورية في الأماكن البعيدة بحجة الدفاع عن مصالحها القومية، وهي، في الغالب، لن تقع في هذه الفخاخ إلَّا إذا تعلق الأمر بجوارها القريب، وفي هذه الحالة، فإن الإمبريالية الناعمة سوف تكتسب درجة إضافية من “الخشونة”، وفي هذه الحالة فمن المرجح أن تسعى الصين إلى فرض نوع من التأقلم على جيرانها القريبين وتدفعهم نحو التكيف مع ميزان القوى الجديد على غرار ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية مع جيرانها في أمريكا اللاتينية أيام مبدأ “مونرو” في القرن التاسع عشر.
إننا يجب ألَّا ننسى الاعتبارات الصينية الداخلية التي لا تتشابه مطلقاً مع النماذج الغربية، فالمجتمع الصيني ليس مجتمعاً (طبقيّاً) حتى الآن على الأقل، فهو مجتمع يتكون في الغالب من طبقة (وسطى)، ولم ينشأ فيه (مركب صناعي عسكري) مثلما هو عليه الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما ينزع التطلعات الإمبريالية؛ فالواقع أن الإمبريالية يصنع مناخها التكوين الطبقي وسيطرة أقلية على دفة الحكم وتوجيه السياسة الخارجية لمصلحتها.
وهناك حالة واحدة قد تدفع الصين دفعاً نحو الإمبريالية الخشنة، وهي تنامي العداء الغربي للصين، وهو عامل لا يمكن استبعاده، فمن الصعب على العالم الغربي القبول (بالشراكة) في إدارة النظام الدولي، فالغرب، بطبيعته، عالم أناني ومتعجرف.
في كتاب “النظام العالمي” يعكس هنري كيسنجر هذه العجرفة، رغم تزعمه لمدرسة الواقعيين؛ فالنظام العالمي في نظره هو ما تفرضه الحضارة المتفوقة، فطوال التاريخ- في نظره- لم يكن ثمة نظام عالمي عام ومقبول ويحظى بالشرعية الدولية، فالعالمية ليست سوى مسحة أخلاقية زائفة لإضفاء المشروعية على النظام المفروض فرضاً، وفي وقت ما كان هناك نظام عالمي صيني أو روماني أو إسلامي أو أوروبي، والأخير الذي أنتجته (ويستفاليا) منذ القرن السابع عشر، أما اليوم فهناك النظام العالمي الأمريكي الوريث الشرعي للنظام العالمي الأوروبي، وقد دعا إلى تأكيد نظام بلاده ولو بالقوة، لكن هذا النظام العالمي المزعوم يواجه بالتحدي الصيني بصورة جادة في هذا القرن، ومع أنه لا يمكن الجزم بأن الصين، إذا اكتسبت التفوق، ستتحول إلى دولة إمبريالية من الطراز الغربي، وأنها، على الأرجح، قد تبتكر نموذج الإمبريالية الناعمة لبناء عالم متوازن ومتعدد الأقطاب، فإن الغرب وحده هو من قد يدفعها نحو نموذجه الإمبريالي البغيض، وهو ما سيعرض العالم لمرحلة قاسية من الصراع الدولي.
المراجع
1- الكسيس دو توكفيل – الديموقراطية في أمريكا – ترجمة أمين مرسي قنديل – منشورات عالم الكتب – القاهرة – ط 3 – 1991 م ص 631 وما بعدها.
2- محمد حسنين هيكل- الزمن الأمريكي، من نيويورك إلى كابول – العربية للنشر العربي والدولي – القاهرة ط 5 – 2010 م ص 11..
3- المرجع السابق – ص 25 وما بعدها.
4- المرجع السابق.
5- هنري كيسنجر – النظام العالمي- ترجمة د فاضل جتكر- دار الكتاب العربي، بيروت- 2015 ص 210 وما بعدها.
6- كتابنا “الصراع على سيادة العالم” المكتبة الأكاديمية – القاهرة – 2017 م ص 208.
7- كيشور محبوباني “هل انتصرت الصين؟”، ترجمة قسم البحوث والدراسات، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة – 2021 م ص 87.
8- هنري كيسنجر- النظام العالمي – ص 210 وما بعدها.
9- كيشور محبوباني، “هل انتصرت الصين؟”، ص 87 وما بعدها.