وحدة الدراسات الاجتماعيةمباشر وحدة الدراسات الاجتماعية عنوان الندوة : نمط الزباىنية خلال الانتخابات في العالم العربي (تونس مثالا )
Posted by Global Institute for Arabic Renewal on Sunday, April 30, 2023
تقرير ندوة
“نمط الزبائنيّة خلال الانتخابات في العالـــم العربي: تونس مثالاً“
قدّمت وحدة الدّراسات الاجتماعيّة بالمعهد العالميّ للتّجديد العربيّ يوم الأحد 30/04/2023، ندوة علميّة ضمن فعاليّات الوحدة تحت عنوان “نمط الزبائنيّة خلال الانتخابات في العالم العربي (تونس مثالا)”، أدارتها الدّكتورة عائشة التّائب، أستاذة علم الاجتماع بجامعة الإمام بن عبد الرّحمن بن فيصل، وجامعة المنار/ تونس، وهي عضو المعهد العالمي للتّجديد العربيّ، وقد قدّم الأستاذ الدّكتور حافظ عبد الرّحيم هذه المحاضرة، وهو أستاذ تعليم عال بجامعتي قابس وصفاقس/ تونس، وكان التّعقيب مع الدّكتور محمّد نجيب بوطالب، أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بالجامعات التّونسية، وهو رئيس وحدة الدّراسات الاجتماعيّة بالمعهد العالمي للتجديد العربي.
استُهلّت النّدوة الفكريّة بمدخل عامّ حول الزّبونيّة عامّة، ذلك أنّ الزّبائنيّة هي مقولة لتحليل الممارسة الانتخابيّة والعلاقات داخل الفعل أو الحقل السّياسي وكيفيةّ تطبيقها على الانتخابات، فهي مقولة في التّحليل السّوسيو أنثروبولوجي لأنماط العلاقات (هي علاقة شخصيّة ممتدّة، قائمة على التّبادل بين طرفين أو بين شخصين، لكنّه تبادل غير متكافئ، فهي علاقة ديناميكيّة، تطوعيّة اختياريّة…)، ليكون التّركيز هنا على تجلّيات هذا النّمط من الفعل في السّلوك الانتخابيّ.
كما تمّ التأكيد أيضا على أنّ الزّبونيّة هي نمط علائقيّ وشكل من أشكال التّبادل داخل حقل الفعل السّياسي وتحديدا الانتخابيّ، تصيب أوساط جماعات المصالح، وهما الزّبون والمعزّب، ضمن علاقات غير متكافئة، على اعتبار أنّها لعبة انتخابيّة. فكلّ طرف فيها يتعهّد بتقديم أمر ما، المعزّب يعد بالكثير ويقدّم القليل، وكأنّ عمليّة التّصويت أصبحت شخصيّة، قائمة برابط شخصيّ يشدّ النّاخب إلى المترشّح.
تطرّقت المحاضرة في جزئها الثّاني إلى بعض النّماذج من التّحليل الزّبائنيّ ضمن تجارب متنوّعة، حيث تمّ التّركيز على التّجربة الانتخابيّة الأمريكيّة والتجربة الانتخابيّة الفرنسيّة، وكذلك التّجربة الانتخابيّة المصريّة والتّجربة الانتخابيّة الجزائريّة، ليكون التّركيز أخيرا على التّجربة الانتخابيّة التّونسيّة.
فقد أكّد المحاضر على أنّ داخل حقل الممارسة الانتخابيّة لا توجد تجربة انتخابيّةـــ مهما تكن درجة نزاهتهاـــ خالية من الزّبونيّة. ذلك أنّ أبعادا كثيرة تتداخل في السّلوك الانتخابيّ مثل الموقع الاجتماعيّ للمنتخِب وللمنتخَب، وطبيعة العلاقة بينهما، كالعلاقات المهنية، والعلاقات العائلية، والقرابة، والصّداقة… إذن فالسّلوك الانتخابيّ ظاهرة مركّبة، والانتخابات هي عمليةّ تفويض تحتاج إلى أداء مسرحيّ لتسويغ هذا التّفويض، فهي مسرحة من أجل الشّرعنة، أي لإضفاء الشّرعية. ذلك أنّ البعد المسرحي في الأداء الانتخابيّ للمصوّتين مهمّ جدّا لفهم هذا السّلوك الانتخابيّ. كما أنّ للّغة والبلاغة والفصاحة دورا مهمّا في هذه العمليّة التّواصلية بين المترشّح والنّاخب، على اعتبار أنّ سوسيولوجيا الانتخابات تركّز على أولويّة المحدّدات الاجتماعيّة في الاختيار الانتخابيّ، فالمحدّدات الاجتماعيّة قد تسبق المحدّدات القانونيّة، وكذلك المحدّدات النّفسيّة أيضا.
أمّا الجزء الأخير ممّا قدّم المحاضر، فقد جاء على عدّة أرقام نابعة من عمل ميدانيّ حول التّجربة التونسيّة دورة 2014، وهي كالتّالي:
1324 قائمة انتخابيّة، تمثّل 121 حزبا، وكأنّ الجسم الانتخابيّ هنا بتركيبة متوازنة، إذ اعتبرتها كلّ المنظّمات الدّولية انتخابات نزيهة لأنّ السّلطة المنتخبة فيها جاءت عن نتائج صناديق الاقتراع، لكنّ نتائج هذا البحث بيّنت عدّة مؤشرات، نذكر منها ما يلي:
- 30.8% من المستجوبين أجابوا إقرارا أو صمتا على قبول المساعدات من المترشّح؛
- 8.2% أكّدوا أنّهم عرضت عليهم خدمات من صحّة وتعليم لهم ولأبنائهم؛
- 12.2% أكّدوا على الحصول على معلوم نقل لحضور اجتماعات؛
- 64.8% قبلوا التّصويت مقابل الانتظار للحصول على شغل؛
- 38.4% قبلوا التّصويت بالولاء (قريب، صديق، جار…)؛
- 38.4% على أساس علاقة شغليّة؛
- و12% على أساس باقي الاعتبارات.
كما أنّ أغلب التّقارير أكّدت على تسرّب المال بتقديم هدايا في الحملة الانتخابيّة، وفي ذلك خرق فصول القانون المنظّم للانتخابات، فأسس الولاء للمترشّح هي أسس يغلب عليها الطّابع اللّامؤسّسي، - 49 % فقط أكّدوا على أنّهم انتخبوا على أساس ولاء مؤسّسي أي حزبيّ أو تعاطف حزبيّ
- والبقيةّ أكّدوا على أنّ انتخابهم كان بولاء صداقة، قرابة، الجوار، الولاء المهني، العلاقة الشغلية. إنّ أهميّة المؤشرات هنا تؤكّد على ذلك الضمنيّ المسكوت عنه في هذه العلاقة التّبادليّة غير المتكافئة التي لا يجهر بها المصوّت لكنهّا حاضرة في ثنايا سلوكه.
وبالتاّلي فالتّجربة التّونسية رغم ما وصفت به من نزاهة ومن اتّباعها للمعايير الدّولية إلّا أنّها لا تخلو من تسرّب بعض علامات الزّبونية. وتبقى الدّيمقراطية على اعتبار أنّها سلوك فرديّ وجماعيّ نظام حكم فاسد، وما يشفع له هو أنّ باقي أنظمة الحكم أكثر فسادا؛ فللدّيمقراطيّة مبادئ يجب أن تتأسّس عليها كل العمليّات الانتخابيّة بعيدا عن ترسيخ ثقافة الرّعية باعتبار النّاخب يتلقّى الهبات والهدايا والخدمات والمنافع على حساب قناعاته واختياراته. كما أكّد المحاضر على أنّ الديّمقراطية والتّبادل السّلمي على السّلطة يبقى رهين اكتساب ثقافة التعدّد والتّنوّع والتّداول، وهو ما يكتسب عن طريق التّنشئة الاجتماعيّة والسّياسيّة.
وفي الجزء الثّاني من النّدوة مع المعقّب الدّكتور محمدّ نجيب بوطالب تمّ تأطير ما جاءت به المحاضرة بطريقة معمّقة، كما تمّ تثمين ما جاء في المحاضرة، وقد تمّ التأكيد على طرافة المقاربة السّوسيولوجيّة للظّاهرة السّياسيّة باعتبارها ظاهرة اجتماعيّة، كما تمّ التأكيد على أنّ الممارسة الزّبونيّة هي ظاهرة تمسّ كلّ مجتمعاتنا وتجاربنا الانتخابيّة. فالسّلوك الانتخابيّ هو نتيجة ما تعيشه مجتمعاتنا من تحوّلات سياسيّة سريعة وعميقة ومن هنا تطرح مسألة تمثيليّة الجماعة. إضافة إلى أنّه تمّ التّركيز على مسألة الزّبونيّة العشائريّة والمناطقيّة والجهويّة مقابل تراجع الزّبونية الماليّة والحزبيّة. مع التّأكيد على أنّ دور الباحث الاجتماعيّ مهمّ في البحث والتّساؤل حول هذه الظّاهرة وما تخفيه من سلوكات للنّاخب المترشّح معا .
وفي الختام تمّ التأكيد على أهميّة التّناول العلميّ لمثل هذه الظّواهر التي تختفي حيثيّاتها في سلوك الطرفيْن الناّخب والمرشّح، على اعتبار أنّ الأكاديميّ السّوسيولوجيّ أو البحوث السّوسيولوجية قادرة على التعمّق في كلّ الاستشكالات ذات الصّلة بهذه الظّاهرة السّياسية-الاجتماعيّة، أهي الزّبونيّة أو الزّبائنيّة؟
وختاما، تجدر الإشارة إلى مشاركة عدد من المتخصّصين والمثقّفين والمفكّرين من أعضاء المعهد ومن خارجه في النّدوة، من خلال مداخلات وتساؤلات في محاور المحاضرة لتتمّ الإفادة والاستفادة.
إعداد الأستاذة منال صالح قادري
مقرّر وحدة الدراسات الاجتماعية