وحدة الدراسات الترجميةيدعوكم #المعهد_العالمي_للتجديد_العربي لحضور الندوة الفكرية بعنوان #نحو_تطوير_علاقة_الترجمة_بالبحث_العلمي_المكتوب_باللغة_العربية_التعزيز_اللغوي_والتمكين_الفكري #وحدة_الدراسات_الترجمية عبر منصة الزوم. التاريخ: الأثنين 24 فبراير 2025 على الساعة الخامسة مساءً بتوقيت غرينتش. رابط الندوة: https://link.arabicrenewal.org/52t
Posted by Global Institute for Arabic Renewal on Monday, February 24, 2025
تقرير ندوة
“تطوير علاقة الترجمة بالبحث العلمي المكتوب باللغة العربية:التعزيز اللغوي والتمكين الفكري
“
نظمت وحدة الدراسات الترجمية بالمعهد العالمي للتجديد العربي ضمن سلسلة المحاضرات الفصلية التي تنظمها الوحدة انسجاما مع مشروع المعهد لهذه السنة ومرجعيته الفكرية نحو بناء منظومة فكرية ترجمية عربية حديثة، أولى محاضرات الوحدة بعد المحاضرة الفريدة للسنة الماضية، والتي قدمها فضيلة الدكتور القدير أحمد الليثي أستاذ الترجمة ورئيس قسم دراسات العربية والترجمة بالجامعة الأميركية بالشارقة الإمارات العربية المتحدة، ورئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية ببلجيكا، بعنوان ترجمة الحذف في القرآن الكريم وعقب عليها فضيلة العلامة محمد أديوان من جامعة محمد الخامس بالرباط، وفضيلة الدكتور القدير حسن درير من جامعة القاضي عياض بمراكش.
قدم المحاضرة الافتتاحية لهذه السنة الدكتور محمد أمين الحوامدة من جامعة جرش بالأردن، وأدارتها الدكتورة ريم الدندشي مقررة وحدة الدراسات الفلسفية والتأويلية بالمعهد، وعقب عليها ثلاثة من الطلبة الباحثين بسلك الدكتوراه من جامعتي عبد المالك السعدي بالمغرب وفالينسيا بإسبانيا، وذلك يوم الاثنين24 شباط2025 على الساعة الخامسة مساء بتوقيت غرينتش عبر تقنية التناظر المرئي، برنامج زووم. وهدفت المحاضرة تسليط الضوء على مدى مساهمة الترجمة في إجراء مشاريع بحث علمية بما تتضمنه هذه الأخيرة من نصوص منقولة عن لغات أخرى خاصة الإنجليزية. ومدى قدرتها على رأب الصدع بين ثنائيتي الهوية والولاء، حالة صدمة الباحث العربي بغزارة معارف ثقافات الأمم الأخرى وتجاربها. بالإضافة إلى سبل تفعيل الترجمة في البحث العلمي العربي بما يعزز المخزون الفكري العربي، وتمكين المنظومة اللغوية بما يلزمها من مصطلحات خاصة في مجالات علمية مستحدثة. وكيفية الانتفاع من الترجمة في البحث العلمي المكتوب بالعربية، وأثرها في تعزيز حضور اللغة العربية في المحافل العلمية الدولية بحثا ونقاشا. وذلك من خلال
التركيز على سؤالين رئيسين: ما هي الإجراءات الترجمية التي قد يراها أعضاء هيئة التدريس وطلبتهم في سياقات جامعية الأكثر أهمية لمشاريعهم البحثية باللغة العربية؟ وإلى أي مدى يمكن للترجمة أن تكون أحد المقومات الهامة للبحث العلمي الذي يجريه أعضاء هيئة التدريس باللغة العربية؟
تابع المحاضرة الفكرية عدد من الدكاترة والمهتمين والطلبة الباحثين من جامعات عربية وغربية، كما حضرها السيد رئيس المعهد الدكتور خضير المرشدي ونائبته الدكتورة سميرة رجب، ومجموعة من رؤساء الوحدات الفكرية بالمعهد وعلى رأسهم الدكتور خالد كموني رئيس وحدة الدراسات الفلسفية والتأويلية.
افتتح المحاضرة أستاذ دراسات الترجمة المشارك في كلية الآداب، جامعة جرش، ومدير مكتب إنجاز للترجمة والحلول اللغوية، الأردن الدكتور الحوامدة بالحديث بداية عن هدف مشروع تطوير علاقة الترجمة بالبحث العلمي المكتوب باللغة العربية: التعزيز اللغوي والتمكين الفكري المستند إلى عدة بحوث بدأها المحاضر في أيلول\سبتمبر 2021 بالتحقق بإيجاز من أثر حركة الترجمة في العربية في مختلف محطاتها التاريخية الهامة فكريًا؛ حيث العربية منظومة معرفية ذات ثقافة خاصة لها ميزاتها وخصائصها ولغويًا حيث اللغة العربية لسان قومٍ حملوا رسالة إلى العالم. مستعرضا أهم محطات الترجمة إلى العربية وأبرزها العهد العباسي والمشاريع المرتبطة بحركة الترجمة إلى العربية وأيضًا البرامج والمبادرات والفعاليات والجوائز في العصر الحالي. ثم عمد إلى بيان أثر الترجمة في العربية على المستوى الفكري بحديه الأقصى والأدنى والمستوى اللغوي بنوعيه الإيجابي والسلبي. معتبرا أن الترجمة أصبحت من أهم الشؤون الحياتية الدافعة لمزيد التقدم والازدهار لكنها غائبة عن اهتمام الساسة أو من يدور في فلكهم أو العاملين في مجال المعارف والعلوم.
واعتبر في إطار دراسة العلاقة بين الترجمة والبحث العلمي المكتوب باللغة العربية، ضرورة تصنيف الأمر إلى تقني ومعرفي على شقين ومعنوي. حيث اعتمد تصميم استبانة تعبأ ذاتيًا، وتتكون من 36 عبارة موزعة على الفئات السالف ذكرها وتطبيقها على عينة ممثلة لمجتمع الدراسة من أعضاء هيئة التدريس في إحدى الجامعات الأهلية في الأردن (جامعة جرش). كما حُكِّمت الأداة البحثية من قبل سبعة خبراء في المجال بصفتهم الرسمية عمداء كليات، أو نواب عميد، أو مدراء مراكز متخصصة في الجامعة نفسها.
وذكر أن أثر الترجمة في العربية كان حاصلًا فكريًا ولغويًا بسلبياته وإيجابياته، حيث نما المخزون المعرفي لدى أهل العربية وازدهرت ثقافتهم كما استوعبت لغتهم ألفاظًا وتراكيب عديدة هضمتها وطوعتها. فالترجمة كانت ولا تزال نشاطًا ثقافيًا هامًا يوصل بين الحضارة العربية المسلمة وباقي بقاع الأرض شرقًا وغربًا، وكانت العربية مؤثرة متأثرة باللغات الأخرى على مختلف الصعد المحققة للمعرفة. كما ساهمت الترجمة في إجراء المشاريع البحثية بنتائج أفضل بما تتضمنه الأخيرة من نصوص منقولة من لغات أخرى كالإنجليزية، وأيضا في رأب الصدع بين الهوية والولاء، إذ قد يشعر الباحث العربي بالصدمة مما يراه من معارف وتجارب في ثقافات الأمم الأخرى. كما نوه الباحث بتفعيل الترجمة في البحث العلمي العربي بما يعزز المخزون الفكري العربي وتمكين المنظومة اللغوية بما يلزمها من مصطلحات خاصة في مجالات علمية عديدة. وذلك من خلال اعتماده على دراستين:
الدراسة الأولى: وهي موجزة حول أبرز محطات الترجمة من العربية وإليها وأثر الترجمة في العربية على المستويين الفكري واللغوي، تعرف الترجمة بأنها توضيح الكلام وبيانه، وهي نقله بلسان آخر مع الاحتفاظ بما يلزمه من مكافئات دلالية وأسلوبية. ثم أكد أن الترجمة من المجالات العلمية التي شهدت تطورا دائما حتى صارت علما قائما بذاته، فصار لها نظرياتها وتطبيقاتها والتي قام عليها علماء وطلبة علم، في مدارس ومعاهد. وأبدى المحاضر أسفه على انكباب أهل الترجمة على كل ما هو غربي بعيدا عن تاريخ العربية الزاخر بالتأليف والترجمة والتعريب، والتي أثرت وتأثرت بعديد اللغات، فرسخت العربية آثارها اللغوية والفكرية وغرست أصولها في غيرها من ألسنة الناس بمختلف ثقافاتهم وانتماءاتهم، فكانت محور التركيز في مرحلة من ترجمة المعارف الإنسانية والتكامل الحضاري بين الأمم.
الدراسة الثانية: وهي علاقة الترجمة بالبحث العلمي—لا سيما ذاك المكتوب باللغة العربية عموما في سياقات جامعية بشكل خاص—حيث استند المحاضر على تحقيق ميداني في هذا الشأن نفذ بجامعة جرش الأهلية في الأردن، بمشاركة واسعة من أعضاء هيئة التدريس فيها، قياسا إجرائيا وقيميا، فكانت الترجمة حسبه ذات دور فعَّال في تطوير البحث العلمي. حيث يعتمد الباحث العربي على الترجمة بدرجات مختلفة، سواء الدارس في جامعات أجنبية أو العامل فيها أو العامل في جامعاتنا يكتب بالعربية، مع تمييز الحقل العلمي
المعني بالبحث بين علوم بحتة أو أساسية وطبيعية وهندسية وإنسانية واجتماعية، رغم أن الباحثين قد يخفون دور المترجم رغم استفادتهم منه على نحو واضح، لغايات شخصية ليست مهنية أو علمية البتة. فالترجمة في نظره تلبي متطلبات البحث العلمي ما يفيد في التنمية الوطنية بالقدر الكافي والملائم، فالعلاقة بينهما متبادلة بشكل أساسي، حيث تتطور بالبحث نظريات الترجمة وتطبيقاتها، كل في سياقه واختصاصه، وبالزوج اللغوي المتمثل بالعربية منها وإليها. بعد ذلك استعرض الدكتور الحوامدة بعض الدراسات التي جمعت في كتاب بعنوان “دراسات حول أثر الترجمة على البحث العلمي والتنمية في المجتمع العربي”. كما استعرض نتائج الاستبيان الذي شارك فيه أعضاء هيئة التدريس بجامعة جرش حول موضوع أثر الترجمة على البحوث العلمية المكتوبة باللغة العربية بالأردن.
تناولت بعد ذلك الدكتورة ريم الدندشي إدارة الندوة وفعاليات التعقيب عليها والنقاش، والتي افتتحها الدكتور خالد كموني رئيس وحدة الدراسات الفلسفية والتأويلية وأخذت الكلمة بعده الأستاذة سجى محمد أبو يوسف، أستاذة اللغة العربية بجامعة جرش، بسؤال حول سبب اكتساب الترجمة شعبية كبيرة في الآونة الأخيرة، وأرجع الدكتور الحوامدة السبب في الأساس إلى ارتفاع نسبة الرفاهية في المجتمعات والحاجة إلى التواصل فيما بينها. بعدها كان سؤال للدكتور قاسم المحباشي حول ما إن كانت وظيفة الترجمة في العصر الحالي قد تغيرت عن تلك التي كانت تؤديها قديما في العصر الأموي والعباسي مثلا وذلك في ظل تطور وسائل الترجمة الآلية المعاصرة، كما تساءل عن الفرق بين ترجمة النصوص الإبداعية والنصوص العلمية، وفي معرض إجابته، أشار الدكتور الحوامدة إلى أن أول فرق يكمن في كون حركة الترجمة في العصور السابقة كانت تحظى برعاية ملكية عكس ما هو عليه الحال في عصرنا الحالي داعيا إلى تجديد هذه الرعاية، واعتبار حركة الترجمة مشروعا قوميا. بعد ذلك أشار إلى الفرق في مدى شيوع المعرفة باللغات الأجنبية بين العصرين، وكذا اختفاء ظاهرة الاعتماد على لغة وسيطة بين اللغة المصدر واللغة الهدف والتي كانت شائعة فيما سبق، وأعطى مثالا بالترجمة من اليونانية إلى العربية مرورا بالسريانية. كما أشار أيضا إلى الفرق بين مستوى التقدير الذي كان يحظى به المترجمون في العصور السالفة ونظرائهم في العصر الحالي. وأخيرا أشار إلى التطور التكنولوجي باعتباره فارقا أساسيا بين العصرين.
تناولت بعد ذلك الدكتورة ريم الدندشي إدارة الندوة وفعاليات التعقيب عليها والنقاش، والتي افتتحها الدكتور خالد كموني رئيس وحدة الدراسات الفلسفية والتأويلية. وشارك في التعقيب على المحاضرة نخبة من الطلبة الباحثين من جامعات عربية ودولية باعتبارهم الامتداد والخلف، وانضمامهم لإثراء النقاش والتعقيب على موضوع المداخلة كل من زاوية نظره انطلاقا من احتكاكه المباشر بالترجمة من جهة، وبالبحث العلمي المكتوب باللغة العربية والمعتمد عليها من جهة أخرى. تلاه بعد ذلك تعقيب الطالب الباحث علي البقالي، بسلك الدكتوراه تخصص لسانيات-ترجمة-تواصل، والعضو بمخبر البحث: الترجمة والتواصل والإعلام، بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة التابعة لجامعة عبد المالك السعدي بالمغرب، موضوع أطروحته: “دليل الضابط في المغرب لسيرافين إسطيبانيث كالدرون(1799-1867): ترجمة من الإسبانية إلى العربية ودراسة نقدية”. وهذا نص تعقيبه:
“السلام عليكم، أود بداية أن أشكر الدكتور الحوامدة على محاضرته القيمة وكذلك المعهد العالمي للتجديد العربي على تنظيم مثل هذه الندوات التي نحن في أمس الحاجة إليها بصفتنا مترجمين باحثين، والشكر موصول لأستاذتنا الدكتورة هند على دعوتها لنا رغم غيابها، ولزملائي وجميع الحاضرين.”

الطالب الباحث علي البقالي
فبصفتي طالبا باحثا في سلك الدكتوراه، ومن خلال تجربتي المتواضعة في مجال الترجمة، أرى أنه عندما نتحدث عن علاقة الترجمة بالبحث العلمي فإننا نربطها بمجالات علمية مختلفة باختلاف تخصصها، ولا يخفى على عاقل أن هذه الميادين العلمية واسعة المعارف مترامية الأطراف لا يسع إنسانا الإحاطة بها علما، ولهذا أرى أنه يجب على المترجم
أن يكون متخصصا في المجال العلمي الذي يترجم فيه النصوص والمقالات المتعلقة به وأن يكون على إدراك واسع به، خاصة حينما يتعلق الأمر بالمجالات العلمية التي تتطلب معرفة دقيقة بخباياها ومصطلحاتها وعلى وجه التحديد العلوم الأساسية والتطبيقية كالطب مثلا، فإن لم يكن المترجم متخصصا في هذا المجال فقد يقع في أخطاء ربما تؤدي به إلى المهالك. وقد لا يضطر إلى أن يكون متخصصا عندما يتعلق الأمر بالعلوم الإنسانية كالتاريخ مثلا، والذي بالمناسبة ترتبط به أطروحة الدكتوراه التي أنا في صدد إنجازها حاليا، لكن يكون المترجم مضطرا للقيام ببحث مكثف وعميق في موضوع للوصول إلى مكنون النص. فالميادين العلمية المرتبطة بالعلوم الأساسية والتطبيقية لا تقبل الترجمات الحرفيةَ التي تركز على المصطلحات في حد ذاتها، وإنما ينبغي أن تكون الترجمة قائمة على فهم عميق لتلك المصطلحات داخل السياق الذي ذكرت فيه. وإن افترضنا أن هذا المترجم الذي سيترجم داخل مجال علمي ليس من اختصاصه، فلا بد له من اللجوء إلى متخصصين يشرحون له المفاهيم والمصطلحات التي لا يمكن له فهمها من تلقاء ذاته.
وكذلك، من الأمور التي أراها ضرورية لتطوير علاقة الترجمة بالبحث العلمي المكتوب بالعربية؛ وعندما نقول مكتوب بالعربية فإنه يشمل العالم العربي أجمع؛ أنه يجب وضع قواميسَ موحدةٍ للمفردات العلمية وتصنيفها حسب مجالاتها العلمية المختلفة، فتكون المرجع الأساسي للمترجمين العرب في جميع أقطاب الأمة من مشرقها إلى مغربها، فتتوحد بذلك ترجمات المصطلحات في الأبحاث العلمية في شتى الدول الناطقة بالعربية، ويسهل محو الفروقات والنزاعات الترجمية التي تحدث شرخا فكريا ولغويا بين أهل العلم في العالم العربي وتضرب بكل المجهودات المبذولة عرض الحائط.
وأخيرا، أود الإشارة إلى نقطة مهمة ربما هي الأهم من بين النقاط التي تطرقت إليها في مداخلتي هذه، ألا وهي التأكيد على تكوين مترجمين متخصصين يكتبون بلغة عربية سليمة ترقى إلى مستوى البحث العلمي، ويلمون بقواعدها الأساسية قصد تجنب الوقوع في الأخطاء اللغوية التي في ظاهرها قد تبدو بسيطة لكنها تدع أثرا كبيرا في نفس القارئ الذي له بعض الإلمام باللغة، فتصير الترجمة منكرة وإن كانت تحمل معاني ومعلومات قيمة. وإذا نظرنا إلى كثير من المجالات العلمية في بلداننا، سنجد أن أطرها لا يجيدون التعبير بلغة عربية سليمة نظرا لتكوينهم الذي تلقوه بلغات أجنبية وخاصة الإنجليزية، فلذلك يصعب
انتقاء مترجمين من داخل تلك المجالات العلمية دون تلقينهم بشكل مسبق قواعد اللغة العربية وتعابيرها. ففي نظركم حضرة الدكتور القدير، هل يمكن خلق مؤسسة ترجمية توحد الترجمة في العالم العربي وتراقينا وربما تكون لها خلفية قانونية تمنحها صلاحية معاقبة الذين يخالفون القواعد الترجمية المجمع عليها إجماعا عربيا شاملا؟
ثم تلاه بعد ذلك تعقيب الطالب الباحث في سلك الدكتوراه بكلية الترجمة والتواصل بجامعة فالينسيا، إسبانيا، وخريج مدرسة الملك فهد العليا للترجمة، أيوب النبار، وموضوع أطروحته: تحليل العبارات الاصطلاحية والفروقات الثقافية في أدوات الترجمة الآلية بين الإسبانية والفرنسية والإنجليزية: تقييم نقدي وتوصيات للتحسين. وقد عنون تعقيبه بالآتي: تحديات تفعيل الترجمة في البحث العلمي المكتوب باللغة العربية. وهذا نص تعقيبه:
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف الخلق خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه و سلم. أما بعد، أتقدم بجزيل الشكر لمديرة الندوة الأستاذة الدكتورة هند بن محجوب و للأستاذ الدكتور المحاضر محمد أمين الحوامدة على الدعوة لأكون جزءا من هذا اللقاء القيم. كما أوجه الشكر لزملائي الطلبة و الطالبات المحبين للعلم و العلوم.

الطالب الباحث أيوب النبار
تُعد الترجمة العلمية أحد الركائز الأساسية في نقل المعرفة بين الثقافات، إلا أن تفعيلها في البحث العلمي العربي يواجه عدة تحديات تؤثر على فعالية انتشار المصطلحات العلمية باللغة العربية. من بين أبرز هذه التحديات؛ غياب نظام موحد للمصطلحات العلمية، حيث
تعاني اللغة العربية من تباينات في استخدام المصطلحات بين التخصصات المختلفة، مما يعرقل التواصل الفعّال بين الباحثين. وفقًا لدراسة أجراها المركز العربي للتعريب والترجمة والنشر (2020)، فإن 65% من المصطلحات العلمية الحديثة لم تُوحَّد بشكل رسمي، مما يؤدي إلى إرباك الباحثين ويحد من تطور البحث العلمي.
إضافةً إلى ذلك، تعاني العديد من الترجمات العلمية، خاصة تلك المعتمدة على التقنيات الآلية، من مشكلات تتعلق بالدقة والتكيف مع السياق، مما قد يؤدي إلى سوء فهم النصوص العلمية. وتشير دراسة نشرتها مجلة الترجمة اللمية (2021) إلى أن نسبة الأخطاء في الترجمات الآلية للمصطلحات الطبية تجاوزت 30%، مما يعكس الحاجة إلى مراجعة بشرية لضمان جودة الترجمة. كما أن القيود المؤسسية والمالية تمثل عقبة أمام تطوير الترجمة العلمية، حيث تفتقر العديد من المؤسسات البحثية العربية إلى التمويل اللازم لدعم مشاريع الترجمة. وتفيد تقارير اليونسكو (2022) بأن نسبة الميزانية المخصصة للبحث العلمي والترجمة في الدول العربية لا تتجاوز 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة متدنية مقارنةً بالدول المتقدمة.
من ناحية أخرى، يفرض هيمنة اللغة الإنجليزية في النشر العلمي تحديًا إضافيًا، حيث يفضل العديد من الباحثين العرب نشر دراساتهم مباشرةً باللغة الإنجليزية بدلاً من ترجمتها إلى العربية، مما يساهم في الحد من تطور العربية كلغة علمية. ووفقًا لإحصائيات قاعدة بيانات سكوبس(2023)، فإن أقل من 5% من الأبحاث العلمية المنشورة عالميًا تصدر باللغة العربية، مما يعكس الحاجة إلى تعزيز حركة الترجمة في البحث العلمي العربي.
فبسبب قلة الفرص البحثية والدعم المؤسسي في العديد من الدول العربية، يهاجر عدد كبير من العلماء والباحثين إلى دول أخرى تتيح لهم بيئة أكاديمية أكثر تطورًا وإمكانات تمويلية أكبر، مما يؤثر بشكل مباشر على إنتاج البحث العلمي باللغة العربية. وفقًا لتقرير البنك الدولي(2023)، فإن حوالي 50% من العلماء العرب الحاصلين على درجات الدكتوراه يعملون في الخارج، مما يحد من مساهمتهم في تعزيز المحتوى العلمي العربي وترجمة الأبحاث إلى اللغة العربية. هذه الظاهرة تؤدي إلى فقدان الخبرات المحلية وضعف الترجمة العلمية بسبب قلة المتخصصين الذين يمكنهم الإشراف على مشاريع التعريب العلمي.

ميزانية الولايات المتحدة المخصصة للبحث العلمي
إجمالي النفقات المحلية على البحث والتطوير في الاتحاد الأوروبي، 2023
في عام 2023، أنفق الاتحاد الأوروبي 381 مليار يورو على البحث والتطوير؛ وبلغت نسبة الإنفاق على البحث والتطوير كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي 2.22% في عام 2023، مقارنة بـ 2.08% في عام 2013.
أهمية تعزيز الترجمة في البحث العلمي العربي
من الضروري تبني استراتيجيات فعالة لتعزيز الترجمة العلمية في العالم العربي. أولًا، ينبغي على الحكومات والمؤسسات الأكاديمية توفير الدعم المؤسسي من خلال إنشاء مراكز ترجمة متخصصة في البحث العلمي وتطوير المصطلحات العلمية وفقًا لمعايير موحدة. وقد أوصى تقرير المنظمة العربية للترجمة(2021) بضرورة إنشاء قاعدة بيانات شاملة للمصطلحات العلمية لمساعدة الباحثين والمترجمين على توحيد المفاهيم.
كما أن التعاون مع المنظمات الدولية يلعب دورًا حيويًا في تحسين جودة الترجمة العلمية، حيث إن الشراكات مع المؤسسات البحثية العالمية تتيح فرصًا أكبر لتبادل المعرفة وتطوير معاجم علمية متعددة اللغات. علاوةً على ذلك، يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وأدوات الترجمة الآلية المتخصصة لتحسين دقة الترجمة، بشرط أن تخضع هذه الترجمات لمراجعة بشرية لضمان دقتها وملاءمتها للسياق العلمي.
وعلى المستوى التعليمي، من الضروري أن تعمل الجامعات على دمج برامج تدريبية متخصصة في الترجمة العلمية ضمن مناهجها الدراسية، بهدف إعداد مترجمين مؤهلين في المجالات العلمية والتقنية. وقد أظهرت دراسة حديثة نشرتها جامعة القاهرة (2023) أن إدراج دورات الترجمة العلمية ضمن مناهج طلاب الدراسات العليا أدى إلى تحسين جودة الترجمات بنسبة 40% خلال ثلاث سنوات.
إن تشجيع الباحثين على نشر أعمالهم وترجمتها إلى العربية سيساهم في تعزيز مكانة اللغة العربية في البحث العلمي. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تقديم حوافز أكاديمية وتمويلية للمؤلفين والمترجمين الذين يساهمون في إثراء المحتوى العلمي العربي. وقد بدأت بعض الجامعات العربية، مثل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، في تقديم منح مالية لدعم نشر الأبحاث العلمية باللغة العربية، مما يعد خطوة إيجابية نحو تعزيز مكانة العربية كلغة علمية.
يمكن التفكير أيضًا في أهمية إنتاج الأبحاث العلمية أولًا باللغة العربية، ومن ثم ترجمتها إلى اللغات العالمية. هذه المقاربة تتيح للباحثين تطوير مصطلحات علمية عربية متينة، مما يساهم في ترسيخ اللغة العربية كلغة علمية حية قادرة على استيعاب التطورات المعرفية
الحديثة. كما أن تعزيز الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى سيساهم في نقل الإنتاج العلمي العربي إلى العالمية، بدلاً من الاكتفاء باستهلاك المعرفة العلمية المنتجة بلغات أجنبية.
إن تفعيل الترجمة العلمية في العالم العربي يتطلب جهودًا مشتركة بين المؤسسات الأكاديمية والحكومية والدولية. ومن خلال توحيد المصطلحات، تحسين جودة الترجمات، وتعزيز سياسات دعم النشر باللغة العربية، يمكن للترجمة أن تسهم في إثراء المحتوى العلمي العربي وتعزيز دوره في المشهد الأكاديمي العالمي. كما أن مواجهة ظاهرة هجرة العقول من خلال تحسين بيئة البحث العلمي العربي وتوفير فرص أكبر للباحثين العرب داخل أوطانهم يمكن أن يكون له أثر إيجابي على ازدهار حركة الترجمة العلمية وزيادة الإنتاج العلمي باللغة العربية.
وختم المعقب بسؤال للمحاضر كالآتي: باعتباركم متخصصين في قضايا الترجمة والبحث العلمي، كيف يمكن للطلبة الباحثين الاستفادة من الترجمة في كتابة بحوثهم باللغة العربية، بحيث تتحول الترجمة من مجرد أداة نقل للمعلومات إلى وسيلة لتعزيز الإنتاج المعرفي العربي؟ وكيف يمكننا طلبة وباحثين متخصصين في الترجمة معالجة الإشكاليات التي تواجه التعريب العلمي وتعزيز مكانة اللغة العربية كلغة بحثية رائدة؟ بعد ذلك قدم الأستاذ ياسر النعيمات مداخلة أثار فيها مسألة تناسب قدر المؤلف وقدر المترجم.
اختتمت للمحاضرة بعد إجابة الدكتور الحوامدة عن استفسارات المعقبين وبقية الحاضرين من الباحثين والمهتمين.
ويجدر التنويه إلى أن تعقيب الأستاذ يوسف ضاكة الطالب الباحث في سلك الدكتوراه بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة التابعة لجامعة عبد المالك السعدي تخصص: ترجمة- لسانيات وتواصل، وعضو بمخبر البحث العلمي ترجمة والتواصل والإعلام بموضوع: إرهاصات نظام الحماية بالمغرب من خلال نصوص مختارة من جريدة السعادة(1904-1912) ترجمة ودراسة. لم يقدم شفويا وإليكم نص تعقيبه:
بداية أود أن أشكرك أستاذة هند على دعوتي للمشاركة في هذا اللقاء العلمي القيِّم، كما أود أن أشكركم حضرة الدكتور الفاضل محمد أمين الحوامدة جزيل الشكر على هذه
المحاضرة القيِّمة التي استفدنا منها كثيرا، وأود بهذا الخصوص أن أتقدم بتعقيب في الموضوع باعتباري مترجما وباحثا في ميدان الترجمة. إذن كما تفضلتم أستاذي القدير وكما لا يخفى على أي مهتم بتاريخ الترجمة أو العلوم أو التاريخ بصفة عامة، فقد لعبت الترجمة دورا محوريا في النهضة الإنسانية عن طريق نقل العلوم من حضارة إلى أخرى؛ ولعل أبرز الأمثلة على ذلك حركة الترجمة في العهد العباسي وما تلاها من ازدهار شهدته الحضارة العربية الإسلامية التي شكلت بدورها أساسا لنهوض الحضارة الأوروبية عن طريق ترجمة المؤلفات العربية إلى اللاتينية ومن ثم إلى باقي اللغات الأوروبية. وحتى في عصرنا الحالي، تلعب الترجمة دورا مهما في البحث العلمي المكتوب باللغة العربية بحيث يستعين العديد من الباحثين العرب، وهو الحال بالنسبة لي كذلك، بمراجع ومصادر أجنبية مترجمة إلى اللغة العربية لإغناء بحثهم العلمي في مختلف المجالات. ولعل الدينامية التي عرفتها حركة الترجمة بالعالم العربي في السنوات الأخيرة والتي تميزت بإطلاق العديد من المبادرات في هذا المجال، لعل أبرزها جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، هي محاولة، إن جاز التعبير، لإعادة إحياء حركة ترجمة العصر العباسي في سبيل الوصول إلى الازدهار الذي شهدته تلك الحقبة من التاريخ الإسلامي. وبالفعل فقد أعطت هذه المبادرات زخما لحركة الترجمة من وإلى اللغة العربية وبالتالي فقد ساهمت في إثراء الخزانة العربية واللغة العربية نفسها كما ساهمت أيضا في إعطاء إشعاع للمؤلفات العربية عن طريق ترجمتها إلى مختلف لغات العالم. وقد كان لهذه الحركة، كما تفضلتم، الأثر الكبير على البحث العلمي المكتوب باللغة العربية.

الطالب الباحث يوسف ضاكة
وهنا أود أن أطرح مسألة أراها مهمة بخصوص الترجمة في علاقتها بالبحث العلمي بالعالم العربي، وسأعود مرة أخرى إلى العصر العباسي وأقول إن حركة الترجمة التي شهدتها تلك الحقبة لم تكن إلا نتاجا لاهتمام ودعم حكوميين كبيرين للبحث العلمي، فكما هو معلوم فقد كان المترجمون يشتغلون داخل بلاط الخلفاء الرشيد والمأمون والمعتصم وكانوا يعرضون عليه أعمالهم وقد كان يولي البحث العلمي اهتماما شخصيا. أما اليوم، فنلاحظ أن الترجمة تغيب عن اهتمامات الساسة والمسؤولين عن قطاع البحث العلمي ولا يسلط عليها الضوء إلا من خلال المبادرات التي سبق ذكرها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، وبالعودة مرة أخرى إلى العصر العباسي، فقد اهتم المترجمون بالفعل بترجمة العلوم الإنسانية ومن أبرزها الفلسفة اليونانية إلا أن العلوم الحقة (الحساب والهندسة والطب والفيزياء والكيمياء والفلك…) كان لها نصيب وافر من هذه الترجمات، وهي التي خلدت أسماء العلماء التي يعرفها العالم أجمع اليوم وساهمت في ازدهار الحضارة العربية الإسلامية ومن بعدها الحضارة الغربية بعد انتقال هذه العلوم إلى أوروبا عن طريق الترجمة من العربية إلى اللاتينية. لكننا اليوم نلاحظ أن مبادرات الترجمة، على قلتها، تكاد لا تهتم إلا بترجمة الآداب والعلوم الإنسانية، والمثال على ذلك جائزة الشيخ حمد نفسها التي تشترط أن تكون الأعمال المترشحة مقتصرة على الإنسانيات والعلوم الاجتماعية. لا أقلل بذلك من أهمية هذه العلوم، ولكن أليس من المفروض أن يكون لترجمة العلوم الحقة نصيب من الاهتمام في زمن أصبحت فيه العلوم مسيطرة على تفاصيل حياتنا كلها؟
على الرغم من مشروعية هذا التساؤل من وجهة نظري، أجد نفسي بعد طرحه أمام معضلة كبيرة. فلو فرضنا جدلا أن العلوم الحقة نالت نصيبا من الترجمة إلى اللغة العربية فهل ستجد لها قارئا في العالم العربي؟ كيف وفي بلد عربي مثل المغرب العلوم تدرس حصرا باللغة الفرنسية إضافة إلى الإنجليزية في بعض التخصصات؟ هذا دون الحديث عن وضع البحث العلمي من الأساس في العالم العربي، ففي المغرب على سبيل المثال نجد خريجي التخصصات العلمية في معظمهم إما يتوجهون إلى الخارج لإتمام مسارهم البحثي نظرا لضعف إمكانيات البحث العلمي بالمغرب، أو للاشتغال في دول ومؤسسات تعرف كيفية الاستفادة من مؤهلاتهم العلمية وحتى الفئة التي تفضل الاستقرار في المغرب وعدم
الهجرة فمعظمها يشتغل في شركات أجنبية. وهنا يبرز التساؤل: من المستفيد حقا من الباحثين والعلماء العرب؟
إعداد الدكتورة هند بن محجوب
رئيسة وحدة الدراسات الترجمية
