المؤتمر الفكري الدولي الرابع– 17-20 أبريل 2025- البيان الختامي
“أركان بناء منظومات فكرية عربية حديثة”
في ظل ظروف شديدة التعقيد، تعيشها الأمة العربية، وسط تطورات الهجمة الصهيونية التوسعية وحرب الإبادة الجماعية، وتجلي الإرهاب الصهيوني بكل عنجهيته، وتراجع الشأن العربي كله، وانعدام هيبته ومكانته، ودخوله في نفق مظلم، انطلقت شرارة الفكر المتوهج لتنير الظلمة وتقشع الغمة في أعمال المؤتمر الفكري الرابع للمعهد العالمي للتجديد العربي، في السابع عشر من نيسان/ إبريل 2025، في مدينة الحمامات في تونس، تحت عنوان (أركان بناء منظومات فكرية عربية حديثة)، واستمرت على مدار أربعة أيام تناقش آفاق المعرفة العربية وتطلعات الأمة في آليات ترسيخ أركان بناء المنظومات الفكرية العربية الحديثة. بمشاركة علماء مفكرين، في ميادين المعرفة المختلفة ،من سائر الأقطار العربية.
بدأ المؤتمر أعماله بكلمة افتتاحية لسعادة رئيس المعهد الدكتور خضير المرشدي، بيّن فيها موقف المعهد وتطلعاته وأسس استثماره في بناء منهجية التجديد في الفكر العربي المعاصر، وذلك من خلال مواجهة التحديات، التي يمكن أن تكون فلسفة اللاإكتمال إحدى الطرق لترسيخ ضرورة البقاء، إذ تسبق هذه الفلسفة العصر بخطوة، لافتا الانتباه إلى أن العلم ليس يقينا ثابتا، وأن الذكاء الاصطناعي ليس بديلا عن العقل، مع ضرورة تطوير آليات التفكير النقدي.
وتضمنت الجلسة الافتتاحية تكريم ثلة من المفكرين العرب البارزين وهم، المكرمون في العام 2024:
- أ.د. مازن الرمضاني- العراق.
- أ.د. محمود الجليلي- العراق.
- أ.د. سعد كموني- لبنان.
- أ. جمال العملة- فلسطين.
- أ.د. إبراهيم بوخزام- ليبيا.
المكرمون في العام 2025:
- أ. سميرة رجب -البحرين.
- أ.د. إلهام لطيفي- الأحواز.
- أ.د. يوسف الصديق- تونس.
- أ. محمد الهاشمي بلوزة- تونس.
- د. ريم دندشي-لبنان.
- أ. يوسف كتلو- فلسطين.
- أ. هناء بوكيلي- المغرب.
ثم كانت الندوة الحوارية العامة لافتتاح المؤتمر بعنوان (بناء المنظومة الفكرية العربية ورهانات المستقبل)، تحدّث فيها ثلاثة من أعمدة الفكر وقادته في الوطن العربي (الفيلسوف العربي الدكتور محمد محجوب، المفكر وعالم الانثروبولوجيا الدكتور يوسف الصديق، والمفكرة في علوم الترجمة الدكتورة هند بن محجوب). ثم عقدت الهيئة العامة اجتماعها السنوي وناقشت فيه محاور الخطة الاستراتيجية الجديدة للمعهد والتقريرين المالي والإداري، وإقرارهما.
وانشغل العلماء والمفكرون والخبراء والمثقفون والباحثون المشاركون في فعاليات هذا المؤتمر طوال الأيام الثلاثة التالية بعرض الأوراق العلمية ومناقشتها، وتقديم عدد من المحاضرات الرئيسية. وقد ناقش المؤتمر أكثر من ستين (60) ورقة علمية، في سبع عشرة جلسة علمية، ممثلة لوحدات المعهد الفكرية.
توصل المشاركون في المؤتمر إلى عدد من الأفكار الرامية إلى وضع أسس لبناء المنظومات الفكرية العربية الحديثة، وآليات النهوض بالأمة العربية من خلال استكناه راهنها واستشراف مستقبلاتها، وهي توصيات وأفكار موجهة إلى المؤسسات العربية الأكاديمية والفكرية والثقافية الحكومية وغير الحكومية، وأهمها إجمالا جاء على النحو الآتي:
- ضرورة تجاوز القائم في الواقع العربي وبناء وعي ثقافي ومعرفي جديد، لنتمكن من الانتقال إلى فضاء تنويري يستنهض الهمم ويضع أسس تحقيق حلم مواصلة التطوير في سائر المجالات، من أجل مستقبل الأمة.
- مناقشة فلسفة الديمقراطية لاستحداث منظومة فكر ديمقراطي يواكب النسيج الثقافي العربي ليزيد من فرص نجاح ممارساتها في المجتمعات العربية، وتحقيق أهدافها الرئيسية في رفاه شعوبها.
- بناء منظومة فكرية دينية وحضارية حديثة في الوطن العربي، تقوم على محاور متعددة تعزز فهم الدين في سياق العصر الحديث، وتدعم التفاعل الحضاري من خلال فهم الدين، وتحديث الخطاب الديني، والتعددية الدينية والتعايش السلمي، والتعليم الديني، ونبذ مظاهر التعصب والطائفية، فضلا عن الفهم الواعي لأثر الدين في كل مناحي الحياة المعاصرة.
- استحداث تغييرات جوهرية في البيئة التربوية والتعليمية ومضامينها الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، عن طريق بناء نظام تربوي يقوم على ترسيخ التعليم الذاتي وتهيئة الفرص أمام الأفراد لإعداد متواصل ومستمر مدى الحياة، وبناء الفكر الناقد، بما يتوافق مع حركة الزمن وتطورات الحياة.
- ضرورة الاهتمام بالفلسفة كونها -ضمن مشروع فكري راهن هو التجديد العربي- تهدف لتجديد المنظومات الفكرية للإنسان العربي، بحيث يكون قادرا على الاشتراك الفاعل في كل ما هو كوني، وذلك من خلال الانشغال الواعي بفكرة التجديد نفسها، وبالفلسفة وحيثياتها.
- أهمية بناء منظومة فكرية في مجال التكنولوجيا الرقمية، من خلال بناء الأساسيات التقنية، والتطبيقات العملية، وتحقيق الأمن الرقمي والخصوصية، ومتابعة التأثير الاجتماعي والاقتصادي، عن طريق التحول الرقمي والتعامل مع التحديات الاجتماعية المرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية، وابتكار السياسات والتشريعات الرقمية، مع الاهتمام بالتحول الرقمي في التعليم، ومخرجاته.
- لا بد من رصد الوضع البيئي والتحول المناخي والأمن المائي في الوطن العربي، واستشراف مستقبلاته، كي نتمكن من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، واستكشاف العوائق، واقتراح الحلول الممكنة، وما يمكن التخطيط لاستحداثه.
- إعادة بناء نظام طبي وصحي حديث في إطار بناء المشروع الحضاري العربي، يقوم على تطوير مبادئ الأخلاق الطبية، والمسؤولية الطبية، والتدريب والتطوير المستمرين، وتطبيق أحدث وسائل التكنولوجيا ونظم المعلومات الطبية، والبحث العلمي، وتطوير البنية التحتية الصحية، وتوفير نظام التأمين الصحي.
- من الأهمية الملحّة أن تتجاوز الدراسات الفكرية العربية معوقاتها؛ لتصل إلى ما تصبو إليه، من خلال بناء منظومة فكرية أدبية ولغوية قادرة على استيعاب متطلبات التجديد ومتطلبات العصر ورؤية مستقبلية علمية استشرافية تتجاوز التقليدي والجامد المتحجر.
- تعزيز أهمية الترجمة في الوطن العربي، ودور الترجمة بوصفها جسرا للتواصل العلمي والثقافي بين الأمم، لتحقيق التقارب والتفاهم بين الثقافات، وتسهيل التبادل العلمي والأدبي الإبداعي على المستوى العالمي.
- لا بد من الاعتماد على مقاربات التوعية والتثقيف المجتمعي بمخاطر بعض القيم الغربية التي تخالف الفطرة والطبيعة البشرية، التي تسربت إلى ثقافتنا ومجتمعنا من خلال بعض القوانين العالمية (السلوكيات الشاذة)، والتي نجح الغرب في تمريرها عبر القوانين الدولية المعولمة والثورة التكنولوجية، وعدم الاكتفاء بسن قوانين تجرم هذه السلوكيات ومرتكبيها.
- لا بد من تحقيق التجديد العربي في مجال الدراسات التاريخية والآثارية، من خلال تحديد الأهداف والرؤية، وتعزيز التعاون الداخلي والخارجي، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة، وتطوير المهارات، والبحث العلمي والنشر المتواصل، وتقييم الأثر والتغذية الراجعة.
- نظرا لأن الطاقة هي المحرك الأساسي والعنصر الفاعل لكل تنمية، لا بد من اعتماد مصادر الطاقة البديلة، وتقليل مصادر الطاقة التقليدية إلى أبعد حد، ويكون ذلك من خلال استثمار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحيوية والطاقة الكهرومائية والطاقة الحرارية الأرضية واستدامة الطاقة المتجددة، وصولا إلى تخزين الطاقة والتحكم بالطاقة من خلال الشبكات الذكية، واستغلال الطاقة البحرية، وغيرها.
- تحتم دراسات استشراف المستقلات على العرب أن يتحول اهتمامهم من ثقافة الانتماء للماضي والبقاء أسرى له، إلى ثقافة الانحياز للمستقبل، في ظل انتشار ظاهرة دراسات استشراف المستقبلات عالميا، بعد أن أدرك العالم جدواها سبيلا لتحقيق مستقبلها المرغوب فيه من بين العديد من المستقبلات الممكنة والمحتملة.
- ضرورة الاهتمام ببناء المبدعين في مجال الفنون والموسيقى، وتخليصهم من الشوائب التي تعلق بهم من آثار الفن الرخيص والشوائب المجتمعية والسياسية والاقتصادية، وتوفير البيئة المناسبة لمجتمع التجديد العربي، وتطوير الفنون وفق متطلباته ومقتضياته.
- في ظل سعي المجتمعات الحديثة لتحقيق الصحة النفسية للفرد؛ لإسعاده وتحريره من الضغوطات والإكراهات والقيود، واستمرار تراجع الصحة النفسية برغم كل ما تبذله المجتمعات من محاولات، إلا أن خصوصية المجتمعات لها علاقة مباشرة، بما استقر في وعيها ولاوعيها من تعقيد وتركيب وعدم استقرار وحراك سريع الوتيرة، وهذا كله يتطلب اهتماما خاصا لتخليص الفرد من الغموض والقلق والرتابة والاكتئاب وسائر الأمراض النفسية التي ما زال ينظر إليها على أنها عيب يلاحق الفرد.
- ضرورة بناء استراتيجية سياسية يتبناها المفكرون وقادة الرأي وتنتشر بين أفراد المجتمع العربي في ظل الواقع السياسي العربي المتردي، تعمل على الخروج من دوامة الفكر التخويني، والمطالبة الدائمة بضرورة فرض القانون واحترامه، والتركيز على تغيير الأنظمة لتغيير الوقائع، وتطوير أي مؤسسة جامعة للعرب لتلبية متطلبات الحياة العربية المشتركة، وقضية فلسطين هي قضية العرب جميعا؛ لأن المستهدف من وجود الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي هو العرب جميعا، وليس فلسطين وحدها.
- ضرورة تجديد المناهج والتخصصات وطرائق التعليم وهيكليات التعليم الجامعي في الجامعات العربية، وتطوير أعضاء هيئة التدريس لمواكبة النظريات الحديثة في التعليم ووسائله وأساليبه، مع منح الجامعات المزيد من الحرية في اتخاذ القرار، وإلغاء التخصصات التي لا حاجة لها أو تحديثها بما يناسب العصر، ضمن خطط استراتيجية حديثة ومواكبة للتطورات العالمية، لغرض توفير فرص عمل مستقبلية.
- ضرورة مباشرة بناء منظومة قيم اخلاقية عربية تشكل عامل توازن بين الركائز المادية والفكرية لمشروع بناء فكر عربي حديث.
