وحدة الدراسات الانثروبولوجيةيدعوكم المعهد العالمي للتجديد العربي لحضور الندوة الفكرية التي تعقدها وحدة الدراسات الانثروبولوجية عبر منصة الزوم. الزمان : يوم الاربعاء 3 ماي 2023 على الساعة السادسة مساءً بتوقيت غرينتش. للمشاركة يرجى الضغط على الرابط https://rb.gy/8jg87 Voir moins
Posted by Global Institute for Arabic Renewal on Wednesday, May 3, 2023
تقرير ندوة
“القيم الإجتماعية بين الدين والتدين“
عقدت وحدة الدّراسات الأنثروبولوجيّة في المعهد العالمي للتّجديد العربيّ الأربعاء 03/05/2023 ندوة علميّة ضمن فعاليّات الوحدة تحت عنوان “القيم الاجتماعية بين الدّين والتديّن”، أدارها البروفيسور سرقمة عاشور أستاذ التّعليم العالي، بجامعة غرداية/ الجزائر، وهو حاصل على دكتوراه في الأنثروبولوجيا في تخصّص الأدب الشعبيّ، و نائب عميد لكلّية الآداب واللّغات ثم عميد لنفس الكلّية، ومدير مخبر التّراث الثّقافي واللّغوي والأدبيّ بالجنوب الجزائريّ.
قدّم المحاضرة الدّكتور بن بوزيان محمّد، دكتور في الاتّصال، مهتمّ بالاتّصال البيئي، وهو أستاذ بجامعة تلمسان/ الجزائر.
دارت محاور النّدوة حول “القيم الاجتماعيّة بين الدّين والتّدين” حيث ربط فيها الدّكتور محمّد بن بوزيّان العلاقة بين الدّين والتّديّن والهويّة الدّينيّة. في البداية تحدّث عن مفهوم الهويّة، كمفهوم مركزيّ. ثمّ تمّ التّطرّق إليها في العديد من ميادين علم الاجتماع والسّياسة والاقتصاد وغيرها، وهي عبارة عن عمليّة ديناميكيّة يسعى الأفراد من خلالها إلى التّوفيق بين التّغير المتسارع لأفراد المجتمع خاصّة في عصرنا الحالي، وبين تلبية رغباتهم واحتياجاتهم من خلال تفاعلاتهم اليوميّة وشعورهم بالانتماء، وإبراز هويّتهم للآخرين.
ثمّ بيّن ما يصطلح عليه حاليّا بأزمة الهويّة، وما ينتج عنها من انحرافات أو خروج عمّا هو متعارف عليه. ويرتبط مفهوم التّنشئة الاجتماعيّة بالنّموّ الاجتماعيّ للفرد منذ ولادته، ويتعلّق هذا النّموّ بعلاقة الفرد بالمجتمع الذي يعيش فيه والقيم التي تحكم هذا المجتمع، وهي بذلك عمليّة مستمرّة لنقل القيم الثّقافيّة والحضاريّة من المجتمع إلى الفرد. ومع توالي السّنوات ننتج فردا متوافقا مع مجتمعه، بشكل متجانس و متناسق ومتفاعل من أجل خلق ديناميّة اجتماعيّة.
وتخضع هذه العمليّة إلى المرونة من خلال تخلّي الأفراد عن أنماط معيّنة من التّفكير والسّلوك أو بتعزيز أخرى، أو باكتساب سلوكات جديدة، وبهذا تتشكّل لدى الأفراد هويّاتهم بوجهها الذّاتي والاجتماعيّ. وبالتّطرّق إلى الهويّة الدّينيّة، حيث ندخل إلى صلب الموضوع، فنقف عند حديث الرّسول (ص) في قوله: “كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه إمّا يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه”، إذن فتشكّل الهويّة الدّينيّة في ظل عمليّة التّنشئة الاجتماعيّة في مجتمعنا المسلم يستند أساسا إلى المبادىء والقيم والتّعاليم التي نصّ عليها الإسلام، وهي راسخة في البناء الاجتماعيّ، والتي تحدّد أنماط السّلوك والعلاقات التي تتّفق مع العقيدة الإسلاميّة.
فالهويّة الدّينيّة أساسها عنصر الدّين الذي يأخذ حيّزا كبيرا ضمن عناصر الثّقافة داخل مجتمعنا. وتتميّز الهويّة الدّينيّة بنوع من التّعقيب وهذا راجع إلى طبيعة العلاقة بين الدّين وطبيعة الثّقافة السّائدة، و وينبغي كذلك التّفريق بين الدّين بما هو مجموعة من التّعاليم والقيم والمعتقدات التي أمر الله باتّباعها أو بالإنصراف عنها، وبين التّديّن الذي هو الممارسة والتّطبيق، حيث أنّ الهويّة الدّينيّة ليست مجرّد شعار يتمّ تداوله، بل هي الانتماء إلى المعتقد أو الطّائفة أو المذهب الدّيني، والالتزام بتعاليمه في التّفاعلات اليوميّة. ففي دراسة قام بها الباحثان “لحسن العقون، وسليمة حمّودة” في 2021 تحت عنوان “رتب الهويّة الدّينيّة وعلاقتها بالصحّة النّفسيّة لدى الشّباب الجزائري” حيث خلصت هذه الدّراسة إلى كون غالبيّة أفراد العيّنة يعانون من أزمة في هويّتهم الدّينيّة، فترى الدّراسة أنّهم بالرّغم من طغيان الدّين على عناصر الثّقافة الأخرى، إلا أنّ ذلك لا يساعد الشّباب على بناء هويّاتهم الدّينية والالتزام بها، ممّا من شأنه أن يجعلنا نقف عند المفارقة التّالية: لماذا يرتفع الحسّ الدّيني ويكون التّوافق بين الدّين والتّديّن كبير في مواقف معيّنة؟ ويختفي وينخفض في مواقف أخرى؟ فمثلا: صفات مثل الكذب والنّفاق والرّشوة وقطع صلة الرّحم أصبحت من الممارسات اليوميّة العاديّة تحت مسمّيات أخرى.
فيغيب هنا الوازع الدّيني لدى الأفراد ويستحضرون محلّه صفة من صفات الله جلّ جلاله، ألا وهي أن الله غفور رحيم. وبالمقابل نجد الأفراد في مواقف أخرى مثل الصّلاة والعبادات التي يرتفع فيها الحسّ الدّيني، يتسابقون في إطلاق الأحكام والفتاوى. فالدّين أصبح محصورا في العبادات والشّعائر في حين باب المعاملات والأخلاق تشوبه العديد من علامات الاستفهام. ومن أجل تحليل ماتقدّم نستعين بمدخلين أساسيّين هما:
أوّلا: المدخل الوظيفي: حيث نلاحظ تراجع دور مؤسّسات التّنشئة الاجتماعيّة الأساسيّة مثل الأسرة، المسجد، المدرسة، لصالح وسائل الإعلام والهواتف النقّالة. ونلاحظ أيضا تراجع الصّورة الذّهنيّة للمرجعيّات المهمّة في المجتمع في عمليّات التّنشئة الاجتماعيّة مثل الإمام والمعلّم… فالطّفل يتلقّى في مراحل نموّه المبكّرة التّعاليم الصّحيحة والقيم الحميدة، وبخروجه للمجتمع يصطدم بواقع آخر، وكلّ ماكان ممنوعا أو محضورا يصبح مباحا، بل وأكثر من هذا، إذ نجد بعض الممارسات أصبح يطلق عليها في مجتمعنا “قفازة او شطارة”… فمن هذه الممارسات اللّاأخلاقيّة يحدث للفرد أزمة في الهويّة الدّينية ويكون عرضة لتبنّي النّماذج الثّقافية الجديدة المستوردة في ظلّ العولمة، تلك العولمة التي تهمّش الهويّات الفرعيّة وتحتقر كل ما هو محلّي.
ثانيا: مدخل اقتصاديّ أو مادّي: حيث تغلب على الفرد المصلحة الشّخصيّة أو المنفعة على جانب الأخلاق والجانب الاجتماعيّ.
وفي الختام نستخلص أنّ أزمة الهويّة الدّينيّة ليست وليدة العولمة أو من مخرجاتها، بل هي ضاربة في التّاريخ، لهذا يجب عند معالجة مشكلتها والتطرّق إليها أن ننطلق ممّاهو داخلّي أو قوميّ إلى ماهو خارجيّ أو عالمّي.
إعداد الدكتورة منيرة قوراري
مقررة وحدة الدراسات الأنثروبولوجية