الدكتور خضير المرشدي
مؤسس المعهد العالمي للتجديد العربي
تُعد العلمانية ردة فعل على الدور السياسي الذي كان يلعبه الدين في الماضي سواءً في دول الغرب او عدد من دول الشرق، وهي بذلك تسعى إلى فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية، وتحقيق حرية المعتقد والتدين للجميع .
وإن العلاقة بين الدين والعلمانية تختلف بين الدول والثقافات والتوجهات السياسية، فبعض الأنظمة العلمانية تنظر إلى الدين على أنه مجرد مسألة شخصية وتفصل بين الدين والدولة، بينما تؤمن دول أخرى بموقع الدين في الفضاء العام وتعترف بدوره في تشكيل الهوية الوطنية أو في ترسيخ القيم الأخلاقية، وبصفة عامة فإن العلمانية تهدف إلى تحقيق حكم القانون والمساواة بين جميع المواطنين، بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية .
وبالرغم من التطبيقات العلمانية التي يعتبرها البعض مذهباً يجب الاحتماء به والتمسك بمنطلقاته، فإن الدين يظل موجودًا ويمارس بحيوية وايمان في الحياة الشخصية للأفراد والمجتمع، ويُعد مكوّن رئيسي من مكونات الامة الفكرية ومصدر اساسي من مصادر الهامها الروحي، ومنهل للقيم والمعتقدات .
ان العلاقة بين العلمانية والدين تدعو إلى النقاش العلمي الهاديء المتوازن والمتجرد من الانحياز لهذه الفئة او غيرها وبما يسهم في تحليل هذه العلاقة وضمان حرية المعتقد والتدين وحقوق الأفراد في الانتماء والاختيار من جهة، وعدم التمييز أو الاضطهاد على أساس الدين في الفضاء العام من جهة ثانية .
ففي النظام العلماني، يُعامَل الدين كمسألة شخصية خاصة بالفرد والمجتمع، لكنه ليس جزءاً من الهيكل السياسي أو القوانين الحاكمة للدولة.
وتكون الدولة محايدة فيما يتعلق بالدين ولا تفضل ديناً على آخر.
ويسمح الفضاء العام للأفكار والمعتقدات المختلفة بالتعبير عن نفسها، مما يجب أن يكون هناك حرية العبادة وحرية التعبير دون تمييز أو اضطهاد.
وتختلف الدول والثقافات في مدى تطبيق مبدأ العلمانية .. فهناك دول تعتبر نفسها علمانية صارمة . وتلغي كل دور للدين وتتنكّر له .
في حين ان دولاً أخرى تعتبر الدين جزءاً مهماً من هويتها .. ومصدراً من مصادر تشريعاتها مثلما هو الحال في عدد من الدول العربية والاسلامية .
وينبغي على الباحث المنهجي العميق ان يميّز بين الدين الذي يبقى النقاش حول موقعه في الفضاء العام حياً مستمراً ومتفاعلاً في كل المراحل وجميع الازمنة كونه يمثل أحد أهم المكونات في كيان الامة والدولة العربية والاسلامية، وبين تسييس الدين وموقع الحركات السياسية المغطاة بغطاء الدين في الفضاء العام، انطلاقاً من ان هذا التمييز يضع حلاً للاشكالات والازمات القائمة في البلدان العربية التي تقف وراءها هذه الحركات التي تتغطى بالدين كذباً ونفاقاً وهي من ينتهك مباديء الدين وقيمه السامية .
وبهذا الصدد فهناك العديد من التساؤلات التي تسلط الضوء على هذا الموضوع الحيوي والهام وتعكس حجم التحديات التي يواجهها المجتمع في معالجة العلاقة بين الدين والعلمانية، والتي تحتاج الى اجابات دقيقة منها مايلي:
1- ما هو الدور المناسب للدين في المجتمع؟
هل ينبغي أن يكون للدين تأثير على السياسة وصنع القرار؟… أم يجب أن يكون مقتصرًا على الشؤون الشخصية والمجتمعية فقط ؟
2- هل يمكن تحقيق توازن بين العلمانية، وبين حقوق الأفراد في ممارسة طقوسهم والتعبير عن انتماءاتهم الدينية بحرية تامة؟
وكيف يمكن تحقيق هذا التوازن وتجنب التمييز والاضطهاد الديني خاصة من الحركات الدينية المتطرفة؟
3- هل من الملائم للمجتمع العربي أن تتبنى الدولة نهجاً علمانياً صارماً؟
أم يمكن لها أن تعترف بالتنوع الديني وتسعى للتعايش بين الديانات والمعتقدات في المجتمع ؟
ولعل الاسلام في اصل عقيدته يدعو للتنوع والتعايش وقبول الاخر والايمان بالانبياء والكتب السماوية كافة .
4- ما هو تأثير وجود رموز دينية في الأماكن العامة،كالمدارس والمستشفيات والمحاكم والمباني الحكومية وغيرها؟
وهل تعتبر هذه الرموز تعبيرًا عن التراث الثقافي أم تمييزًا ضد الاثنيات الدينية؟
5- وكيف يمكن توفير حرية العبادة والتعبير الديني الحر للأفراد في الفضاء العام دون التأثير على حقوق الآخرين ؟
وهل ينبغي وضع قيود على المظاهر الدينية في الأماكن العامة؟
هذه الاسئلة وغيرها تحتاج لمناقشات موضوعية جادة لتحديد المفاهيم المتعلقة بالعلمانية كونها تشكل تحديات أمام بناء الدولة العربية المعاصرة .
كما وان النقاش ينبغي ان يمتد الى دور الحركات السياسية المغطاة بغطاء الدين ومنها ما يسمى ( الاسلام السياسي ) ومشروعه العابر للوطنية، وأيديولوجيته التي تشكل المصدر المعرفي لطبيعة هذه الحركات وتوجهاتها، والتركيز على اهمية التفريق بينها، وبين الدين الاصيل كمكون رئيسي من مكونات الامة الفكرية ومصدر اساسي من مصادر الهامها والمنهل لمنظومة قيمها الاخلاقية ..
فاذا ما استهدفت العلمانية هذه الحقيقة فإنها ستكون معول هدم لكيان الامة، وتجفيف لمصادر غذاءها الروحي ..
أما اذا ما اقتصر دور العلمانية على فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية .. وعدم التمييز بين الاشخاص على اسس دينية .. في تولي مهمات ومسؤوليات ووظائف عامة وادارة الشأن العام وتسيير شؤون الدولة ..
فإنها تُعد حالة ايجابية بناءة ينبغي رعايتها وتشجيعها وفق هذا المفهوم في جو من الحرية التامة .
لا يمكن القول ان هناك ربط بين الدين والسياسة او العكس لان الدين سابقا كان هو الكل والسياسة فرع صغير قد تتضطر له الدولة المسلمة ..اما ما يدعوا اليه اليوم ان السياسة هي الكل والدين فرع منه وهذا اعتقاد خاطي .. يجب علينا كمجتمع اسلامي ان نرجع الى اسباب ازدهار ورفعة هذه الامة البدوية التي لم تكن شيء بين الامم كيف نهضت وكيف اصبحت امة يضرب بها المثل في بضع سنين …. الدين هو من نهض بهذه الامة الدعوة الى الله ومن الله هو من نهض بها فالاولى بنا ان نترك السياسة ونصاحبهم بالارشاد والدعاء والنصح ونعمل على الدعوة الى الله والعمل لها لان الدين هو اساس نهضة هذه الامة ولن تنهض الا به .