منظمة فكرية وعلمية وثقافية مستقلة
منتدى أصيلة الثقافي يناقش الديمقراطية والعدالة الكونية

منتدى أصيلة الثقافي يناقش الديمقراطية والعدالة الكونية


الأستاذة سميرة رجب

وزيرة الإعلام الأسبق- مملكة البحرين


إجتمع عدد من المفكرين والمثقفين العرب في منتدى أصيلة الثقافي بدورته 45 حول عدد من القضايا الفكرية الهامة، وكان لي نصيب المشاركة في جلسة فكرية في الفترة 25-26 أكتوبر 2024 مخصصة لمناقشة مفاهيم الديمقراطية والعدالة الكونية، كأحد أهم القضايا التي تشغل العالم في ظل تصاعد الحروب والنزاعات الغارقة في الدموية، والإفراط في هيمنة القوي على الضعيف في العلاقات الدولية، حتى جعلت الإنسانية تبدو كحلبة صراع يهيمن عليها قانون الغاب، الذي يحمي الأسود المتصارعة حول الهيمنة والسيطرة، على أنقاض الدول الضعيفة وجبال من الجماجم البشرية وجثث الأطفال والمدنيين العزل…
وحول مفهوم العدالة الكونية كان للمفكرين العرب رأي وصوت من خلال هذا المنتدى الفكري الإبداعي الذي يعد الأطول عمراً والأكثر استدامة ما بين كل المؤسسات العربية الشبيهة، التي تأسست منذ بدايات القرن العشرين حتى يومنا هذا، دون أن تتمكن من مقاومة ظروف كثيرة أدت إما إلى تجميدها فكرياً أو انتهائها تنظيمياً، مما يحمّلنا المسؤولية لتوجيه كلمة صادقة في حق منتدى أصيلة الذي أثبت إنه يعمل بجهد علمي وإداري وفكري وإبداعي متقن، وبمبادئ عربية وإنسانية راقية، رفعته إلى مصاف المؤسسات الثقافية العالمية المستدامة الحاضنة للمفكرين والفلاسفة والمبدعين، مما يجعله مستحقاً لكل أنواع الدعم الرسمي والشعبي، للتمكّن من مواصلة رفد الفكر والأدب والفن العربي بمساحة قومية ودولية واسعة وبالمقومات القادرة عن التعبير عن نفسه كقوة ناعمة تمثل ضمير الشعوب والدول العربية من المحيط إلى الخليج، في صوت واحد إلى كل أنحاء العالم…
وكانت مشاركتي من خلال الورقة الفكرية التالية:


الديمـــــــقراطية والعدالة الكونيـــــــــة الإنسانيــــــــــة
تناقض صارخ بين المحلي والدولي


لن أتطرق هنا إلى مفهوم الديموقراطية بشكل دقيق وبمنظور معين، لأن هذا المفهوم معقّد، جدلي، يرتبط بخصائص كل مجتمع وسماته، وتختلف حوله الآراء والمحددات شرقا وغربا. وسأكتفي بالقول بأن للديموقراطية أشكال متنوعة تختلف باختلاف آليات تنفيذها (مباشرة/ غير مباشرة/ شبه مباشرة)، وبطرق تطبيقها في الواقع الاجتماعي (ليبرالية، اشتراكية، ملكية، جمهورية، نيابية، حزب واحد).
والعنصر الأهم في كل هذه الأشكال والتصنيفات هي المبادئ الأساسية المعلنة والتي يجب أن توفرها ممارسة العملية الديموقراطية محلياً ودولياً، ومنها: سيادة القانون، ضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والعدالة والمساواة.
أما الحديث عن مصطلح العدالة، وما ينبثق عنه من مفهومي العدالة الاجتماعية والعدالة الكونية، فهو مفهوم تشوبه نفس التعقيدات والاختلافات بين الباحثين والمفكرين والمختصين بسبب حالة عدم الاتفاق البالغ. وحتى في صورة وجود بعض التوافق حول المفهوم العام لمصطلح العدالة الاجتماعية، فإن سرعان ما يعود الاختلاف حول مجالاته ومكوناته باختلاف الدلالات والانتماءات والمعتقدات السياسية والسياقات المستخدمة.
وهنا سأحاول التركيز على التناقض الصريح بين محاولات فرض مفهوم الديموقراطية الليبرالية حول العالم، والتنكر الفاضح للعدالة الكونية المزعومة لباقي شعوب العالم، مستندة في هذا التحليل إلى وقائع تعبّر عن ضعف المؤسسات الدولية أمام غطرسة الدول العظمى وتأثيرها القوي، بل تَحَكّمَها، في عمل هذه المؤسسات الدولية وفرضها لقرارات أممية دون غيرها على شعوب العالم، وما نتج عنه من إخلالات في تطبيق القانون الدولي تتناقض مع مبادئ ما يسمى بالديموقراطية والكونية الإنسانية، وتتسبب في تداعيات خطيرة على شعوب ودول العالم التي باتت تئن تحت وطئة تصاعد الحروب والصراعات غير المتكافئة، وظروف القتل والإبادات الجماعية والتهجير والتشرد، إضافة إلى تفاقم معدلات الفقر والأمية وانتشار الأمراض والأوبئة التي تهدد البشرية.

الديموقراطية الليبرالية ليست النظام الأمثل لتحقيق العدالة


من أهم المغالطات في فهم الليبرالية هو ذلك الربط بينها وبين الديمقراطية وكأنهما كلمتين مترادفتين لمفهوم واحد… فالعديد من الدول، خاصة منها الدول الغربية، ومن ورائها الأحزاب والجمعيات السياسية، تُعَرّف نفسها وأعضائها بالليبرالية والديمقراطية معاً، رغم التعارض بينهما، وهذا ما يعترف به مفكر النهضة الغربية الليبرالي جون ستيوارت الذي وجد ذلك التعارض الشديد بين الليبرالية والديمقراطية، فقام بمهمة التوفيق بينهما (قبل منتصف القرن التاسع عشر)، ولا يبدو إنه توَفّق في تلك المهمة، نسبة لما نراه اليوم في كل دول الغرب “الديمقراطية، الليبرالية”.
ويؤكد الاستاذ الجامعي الأردني الدكتور هشام غصيب هذا التعارض بملاحظات تفيد بأن “دعاة الليبرالية الاقتصادية قبل منتصف القرن التاسع عشر لم يكونوا دعاة للديمقراطية، بل يمكن القول إنهم كانوا يميلون إلى مناهضتها (أي الديمقراطية)… وبعد صراع طويل بينهما تم الجمع بين الليبرالية والديمقراطية في الغرب، وخصوصاً عند بدء حاجة هذه المجتمعات للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والأمني… حيث الحرية الليبرالية بالتملك الخاص في السوق، تعد نوعا من أنواع الهيمنة الاحتكارية المطلقة للشركات الكبرى ضد قوة الطبقة العاملة… وعندما سادت الديمقراطية البورجوازية القائمة على تنامي قوة الطبقة العاملة في الربع الثالث من القرن العشرين هناك، استطاعت أن تحد كثيرا من الليبرالية الاقتصادية… فالليبرالية، في دعوتها إلى حرية التملك الخاص وفتح الباب على مصراعيه لقوى السوق، هي في جوهرها دعوة إلى القبول بالهيمنة المطلقة للاحتكارات والشركات الكبرى. وأما الديمقراطية فهي -حتى في شكلها البورجوازي السائد في الغرب- حصيلة نضالات جماهيرية…”، وبالمحصلة ينحصر دور الديمقراطية في الحد من تغول النخب الاحتكارية وتوسع المشاركة في صنع القرار، على النقيض لدور الليبرالية في السياسة والسياسة الاقتصادية.
وقد ذهب ماركس وانجلز (الماركسيون) إلى أبعد من ذلك، إذ إضافة إلى إقرارهما بالفرق بين الديمقراطية والليبرالية، فهما أيضاً أقرا أن الديمقراطية والليبرالية وجهين لعملة واحدة تخدم فقط الطبقة الرأسمالية (الرأسمالية الاحتكارية)، بينما يعتبران أن الديمقراطية يجب أن تكون في خدمة القطاع الأوسع لفئات الشعب مثل الفلاحين والعمال والبرجوازية الصغيرة وضد الشركات الاحتكارية الكبرى. وفي كل الأحوال فإن كلا الاتجاهين يصلان إلى نتيجة واحدة رغم الخلافات بينهما، إلا أنهما يشتركان في فصلهما بين الليبرالية والديمقراطية.
ولكن الليبرالية كأيديولوجيا، تبلورت من خلال أفكار بعض من فلاسفة الغرب التجريبيون المؤمنون بمذهب المنفعة الخاصة ضمن أطر أخلاقية تتناسب مع قيم مجتمعاتهم الغربية، مرت بتغييرات كبيرة حتى وصلت إلى النمط الأمريكي الذي حاول الغرب بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي تسويقه على أنه النموذج الأنجح الذي أثبت انتصاره على باقي الأيديولوجيات (الشيوعية واليسارية)، ممّا سرّع من انتشار العولمة والأمركة، ولم يُترك مجال لباقي دول العالم (الدول النامية) سوى الانخراط في الأيديولوجيا الليبرالية التي تم ربطها مرة أخرى بالديموقراطية، سواء أحبت هذه الدول أم أبت.
وتجسّد تعنّت الغرب في ربط الليبرالية بالديموقراطية في كتابات مفكرين غربيين كُثر، من أهمهم أستاذ السياسة والسياسة الاقتصادية، الكاتب الأمريكي من أصل ياباني، فرانسيس فوكوياما، الذي انتمى لفترة طويلة إلى المحافظين الجدد.
ويرى فوكوياما في كتابه الذي نشره سنة 1992 “نهاية التاريخ والرجل الأخير” (The End of History and the Last Man)، أن التاريخ قد انتهى وأن الديموقراطية الليبرالية هي الحد الأعلى لتطور الفكر البشري والأيديولوجيات الأخرى. يقول في هذا الإطار “ربما كنا نشهد نهاية التاريخ كما هو نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية وتعميم الليبرالية الديمقراطية الغربية على مستوى العالم كشكل نهائي للحكومة الإنسانية”.
وبالرغم من أن نظريته لم تُعمّر طويلا، إذ تراجع عنها في كتابه الذي نشره سنة 2011 بعنوان “أصول النظام السياسي” (The Origins of Political Order)، وأكد فيه أنه لا يمكن للتاريخ أن ينتهي ما دام العالم لا يتوقف ولا ينتهي. وتراجع أكثر عن مواقفه السابقة المتبجّحة بانتصار الديموقراطية الليبرالية، بحيث اعترف في كتابه الصادر سنة 2014 “من الثورة الصناعية حتى عولمة الديموقراطية” (Political Order And Political Decay: From the Industrial revolution to the Globalization of democracy)، باضمحلال الديموقراطية الغربية والأمريكية وصعود الأحزاب المتطرفة في أوروبا، ووصل به الأمر إلى التخلي عن ولائه لأفكار المحافظين الجدد.
إلاّ أنه في المقابل بقيت نظرية “صدام الحضارات” لأستاذه صامويل هنتنجتون هي النظرية السائدة إلى اليوم التي تعتبر أن الصراعات العالمية، التي ستزداد وبشكل أعنف عن السابق، هي على أسس حضارية وثقافية وليست على أسس إيديولوجية وعقائدية كما في الحرب الباردة.
ويتّضح من خلال ما سبق أن ربط الديموقراطية بالليبرالية والتسويق لها منذ عقود كخيار أمثل للتطور والرقي والعدالة لدى الشعوب هي فكرة غير دقيقة، ربما نجحت نسبيا في بعض الدول الغربية نتيجة توفر عناصر خاصة بسمات تلك الدول ونسيج مجتمعاتها، ولكنها في الحقيقة، لم تحقق العدالة المزعومة، وكانت مدمرّة لباقي الشعوب، لأنها استُخدمت في عمليات التوسع الاستعماري وترسيخ التبعية الفكرية والثقافية الغربية، وذلك بشهادة مفكري الغرب وخاصة صاحب نظرية “صدام الحضارات” نفسه.

القانون الدولي، المؤسسات الأممية وأسطورة العدالة الكونية


بالرجوع إلى موقع الأمم المتحدة على شبكة الانترنت، نقرأ بصورة واضحة أرقى العبارات الإنسانية حول العدالة الكونية، وهي “السلام والكرامة والمساواة على كوكب ينعم بالصحة”. وبالرجوع إلى ديباجة ميثاق الأمم المتحدة نقرأ أيضا كلاما جميلا منمّقا يدعو إلى إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، وضمان الحقوق الأساسية للإنسان؛ ويؤكد على تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي.
وفي الواقع، لا تنم هذه الشعارات والعبارات عن الحقيقة بصلة، لأن اقتراح وتنفيذ القوانين الدولية والقرارات الأممية تبقى في أغلب الأحيان حبرا على ورق، وتُجسد قوانين وعدالة يحكمها الأقوياء أصحاب المشاريع الاستعمارية، مبنية على مصالحها، ولا علاقة لها من قريب أو من بعيد لفلسفة العدالة الكونية المزعومة والتي عادة ما يُروَّج لها عبر الديموقراطية الليبرالية… وأوجز هذا في البنود الثلاثة التالية:

1- عدم العدالة في هيكلية مؤسسات الأمم المتحدة


لا بد من التذكير بأن تشكيل مؤسسات المنظمة الأممية مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بُنيت على قواعد وضعها المنتصرون في الحرب، ولم تُؤخذ بعين الاعتبار مصالح باقي الدول. وبالتالي الحديث عن عدالة كونية في بُعدها الدولي وليس المحلي، لم تكن موجودة ولم تُطرح أبدا.
فمجلس الأمن الدولي، الذي من المفترض أن يساهم في حل النزاعات الدولية وتفادي الحروب بين الأمم، وبالرغم من الأهداف النبيلة التي رافقت تأسيسه، فإنه غالبا ما كان أداة في يد القوى العظمى المتصارعة والدول دائمة العضوية للدفاع عن مصالحها ومصالح أيديولوجياتها واستراتيجياتها واقتصاداتها بالدرجة الأولى، في حين أن قضايا ومشاكل الشعوب والأمم الأخرى تأتي في المراتب النهائية، أو لا تأتي.
وأكبر دليل على فشل عمل مجلس الأمن الدولي هو ما تشهده أحداث السنوات الأخيرة من حروب وصدام وصراعات تحتاج إلى قرارات عاجلة ملزمة، في حين أن أعضاءه قدّموا مصالح بلدانهم على حساب مصالح باقي دول العالم، ولم يتوصلوا إلى قرار عادل ومنصف للقضايا والمشاكل والحروب الدولية المطروحة أمامهم. بل أدت قرارات مجلس الأمن في بعض الأحيان إلى تدمير بلدان عديدة، نذكر منها على سبيل المثال التدخل السافر في ليبيا وسوريا سنة 2011 بقرارات أممية تحت البند السابع، أدى إلى تدمير هذه الدول وتفقير شعوبها والتدخل في شؤونها وتقاسم ثرواتها.
المثال الآخر المخزي والمحزن الذي نراه يوميا أمام أعيننا هو إبادة شعب بأكمله في غزة تحت عيون مجلس الأمن الذي وفّر لكل عضو من أعضائه الدائمين “سيف ديموقليس” (حق الفيتو) ليستخدمه كما يشاء ومتى شاء لإخضاع الشعوب وقتل الأبرياء.
وعموما هناك شبه إجماع عام بأن المنظمة الأممية باتت مشلولة، وخاصة مجلس الأمن الدولي، الذي أصبح يخدم مصالح الدول العظمى، ولا يُحقق العدالة المنشودة لباقي أعضاء المنظمة الأممية، وخاصة الدول الضعيفة منها، مما أدى مؤخراً لتعالي الأصوات المطالبة بإجراء تغييرات تضمن أن تكون المنظمة الأممية أكثر عدلا وتمثيلا للشعوب حول العالم.

2- عدم العدالة في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة


من المفترض أن تكون قرارات الأمم المتحدة ملزمة لجميع الدول حتى يسود الأمن والاستقرار والعدالة بين الشعوب. لكن مع الأسف إن عدد كبير من القرارات الأممية بقيت حبرا على ورق… والأكثر أسفاً أن أغلبية هذه القرارات التي لا تُنفذ تخص البلدان الضعيفة التي لا حول ولا قوة لها أمام بطش القوى العظمى.
ومرة أخرى، وعلى سبيل المثال، فإن عشرات القرارات التي أصدرتها المنظمة الأممية طوال الخمسين سنة الأخيرة لصالح حل الدولتين وإنصاف الشعب الفلسطيني الضعيف، بقيت حبرا على ورق، تجاهلتها إسرائيل مدعومة بحلفائها الغربيين، وواصلت التنكيل بالشعب الفلسطيني أمام أعين أعضاء المنظمة الأممية، وآخرها قرارات وقف النار وقرارات الهدنة الإنسانية التي رمتها إسرائيل في القمامة، وواصلت عملية إبادة جماعية ممنهجة ضد الفلسطينيين، في حين بقيت المنظمة الأممية تتفرج مشلولة، وغير قادرة على تنفيذ قراراتها.
وفي نفس الإطار، وبالرغم من صدور قرار محكمة العدل الدولية بأنه يتعين على إسرائيل الوقف الفوري لهجومها العسكري على مدينة رفح في قطاع غزة وفتح معبر رفح لدخول المساعدات الإنسانية للقطاع، وكذلك ضمان وصول أي لجنة تحقيق أو تقصي حقائق بشأن تهمة الإبادة الجماعية، فإن إسرائيل واصلت عدوانها على رفح، وامتد إلى الضفة الغربية وسوريا ولبنان، مدعومة مرة أخرى بحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة التي أرسلت البوارج لحمايتها والتغطية على جرائمها. فعلى أي عدالة كونية نتحدّث؟ وهل يمكن فصل العدالة المحلية عن العدالة الدولية؟ أو أن العدالة وصفة تصلح لشعب دون آخر أو لدولة دون أخرى؟
ومن جانب آخر، نلاحظ أن معظم المؤسسات الأممية والمنظمات الدولية تحتكرها الدول العظمى أو النافذة التي تُؤثر في توجهاتها وتتحكم في قراراتها. كما لا يوجد تمثيل عادل بين دول العالم في عضوية هذه المؤسسات أو المنظمات الدولية.

3- عدم وجود آليات محاسبة ضد الدول المزعزعة للسلم والأمن الدوليين بالعمليات غير الشرعية


ولا يخفى على الجميع بأن العديد من الحروب والصراعات وزعزعة الأمن والاستقرار في بعض الدول هي من صنيعة الدول العظمى التي تجد فيها إحدى الطرق والأساليب للإبقاء على نفوذها ومواصلة الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية أو الجيوسياسية.
فكم من عملية انقلاب تم التخطيط لها من قبل أجهزة الاستخبارات الغربية أساسا؛ تارة يتم فيها استخدام الأسلحة والتمويل اللازمين، وتارة أخرى يتم فيها استخدام القوى الناعمة بمختلف أشكالها (وسائل الإعلام، منظمات حقوق الإنسان… وغيرها)
وكل هذه الممارسات غير القانونية وغير الأخلاقية، لا تتبعها محاسبات وتُحفظ في الملفات لأن العدالة يحكمها الأقوياء، ولا مجال للشعوب والدول الضعيفة في الدفاع عن نفسها أو في محاسبة من يعتدي عليها.
إن مفهوم العدالة مفهوم واحد لا يمكن تجزئته، ولا يمكن أن نتحدث عنه في ظل وجود غابة دولية يرتع فيها الأقوياء، ولا يُترك للضعيف المجال حتّى للتعبير عن الرأي.
هناك عدم توازن في الأمن الأممي؛ هناك خلل في عمل المؤسسات الدولية؛ هناك أنظمة مالية واقتصادية دولية مجحفة؛ هناك خلل في العدالة بشكل كبير؛ والوضع الدموي الناتج عن الحروب والصراعات ارتفع بمعدلات قياسية، وأصبح العالم يعيش حالة من التخبط والغليان والإحباط.
أمام هذا الوضع القائم هل يمكن توفير العدالة على المستوى الفردي- المجتمعي أو الإقليمي بدون وجود قانون دولي عادل يعطي لجميع الدول والشعوب فرصا متساوية ولو نسبيا؟

أسطورة المبادئ الكونية الإنسانية


لربما تكون العدالة الكونية المزعومة ضمن مفهوم الديموقراطية الليبرالية حكرا على شعوب بعض الدول الغربية التي تتبنى هذا المفهوم، وبشكل نسبي، نظرا لفشل النظام الليبرالي الرأسمالي في ضمان ممارسة ديموقراطية حقيقية لشعوبه. في المقابل لا يمكن الحديث عن عدالة كونية عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية ومصالح الدول وتطبيق القانون الدولي والقرارات الأممية أو إدارة المؤسسات الأممية نفسها. وبالتالي يمكن القول بأن مبادئ الكونية الإنسانية تبقى أسطورة أو شعارا صعب المنال أمام إطار قانوني وأممي يحكمه الأقوياء، ويُفرض على باقي الشعوب والدول النامية.
وفي الختام لا يمكن قلب المعادلة الحالية المجحفة في مفاهيم العدالة الكونية المتطرفة والمنحازة لصالح الدول القوية، والدول التي تملك أكبر قوة من أسلحة الدمار الشامل، لتكون هذه المعادلة أكثر عدالة وإنسانية في حق الدول الأصغر والأقل تسليحاً وقوة، إلا بالبدء بعملية إصلاح جذرية في هيكلية ومؤسسات ونظام الأمم المتحدة بما يضمن لجميع الدول وشعوب العالم حقوقها العادلة.


تحميل المقال

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *