البروفسور هاني الياس خضر الحديثي
أستاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية – متخصص في شؤون آسيا
أرجو ملاحظة إن اعتماد العنوان أعلاه يأتي من واقع التخلي العربي عن واقع “الصراع العربي– الاسرائيلي” وتحويله إلى صراع فلسطيني– اسرائيلي.
وتفاعلاً مع الافكـــار الأســـاسية التي أثيرت في ندوة المعهد العالمي للتجديد العربي التي انعقدت يوم الاربعاء 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 تحت عنوان “الحرب على فلسطين- قراءة في خلفيات التحالف الغربي الصهيوني” والتي حاضر فيها أعلام وأساتذة عرب مرموقين، أجد من المهم تسليط الضوء على مسألتين مهمتين:
المسألة الأولى: القانون الدولي
وهي المتعلقة بمدى الأخذ بالاعتبار من قِبَل صناع القرار بأحكام القانون الدولي واتفاقيات جنيف واللائحة الدولية لحقوق الانسان وهي المعتمدة نظرياً من قبل المحكمة الجنائية الدولية وفق ميثاقها وخاصة منها موضوع جرائم الحرب والإبادات الجماعية.
لقد سارعت المحكمة الجنائية الدولية المدعومة من الأمم المتحدة (الولايات المتحدة) بإصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي بوتين في 17 آذار/ مارس 2023 بشأن مزاعم جرائم حرب متعلقة “بترحيل” أطفال، ونقلهم بصورة غير قانونية من أوكرانيا إلى داخل الأراضي الروسية.
وصارت هذه “القضية” جريمة حرب تعاضدت عليها جميع قوى الناتو لإيقاع أشد العقوبات على روسيا الاتحادية تحت ذريعة “الغزو الروسي لأوكرانيا”؛ بل إن كُتاباً ومفكرين وأكاديميين عرب سخّروا طاقاتهم العلمية والفكرية والحقوقية إلى جانب الحرب الإعلامية للولايات المتحدة وحلفائها لإدامة زخم إدانة روسيا، الدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وكأن القانون الدولي ومواثيقه صار هو الأساس الفعلي في القرارات الأممية تأمينا لتحقيق السلام والأمن الدوليين واحترام القانون الدولي الإنساني.
ألآن، ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وإسرائيل المدعومة بقوة من قِبَل الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو ترتكب مجازر إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، راح ضحيتها حتى الآن مايقرب من أربعة الآف طفل فلسطيني ضمن قائمة تضم ما يقرب من عشرة الاف شهيد أغلبهم من النساء والشيوخ ولم نجد المحكمة الجنائية الدولية تحرك ساكناً.
السبب واضح ويكمن في إن زعماء الغرب ومنهم الرئيس الامريكي بايدن ورئيس وزراء بريطانيا يؤكدون إن استمرار الحرب الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة هو أمر ضروري ولابد منه وحق لاسرائيل في “حق الدفاع عن النفس”، متناسين ومتغافلين عمّا نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في إن هذا الحق الممنوح للدول ينبغي أن لا يتجاوز اعتماد اجراءات احترازية تتناسب والفعل “العدائي”، ولا تتجاوزه لحين انعقاد مجلس الامن الدولي، قصد اعتماد الاجراءات المناسبة لإعادة الوضع إلى نصابه، علماً ان إعادة الوضع إلى نصابه الطبيعي وفق قرارات الامم المتحدة ومنها القرار 242 لعام 1967، هو انسحاب إسرائيل من جميع الاراضي التي احتلتها في عدوانها في الخامس من حزيران ذلك العام، والعودة إلى حدود الرابع من حزيران.
بعد هذه المقارنة والازدواجية في المعايير المعتمدة من قبل الأمم المتحدة في اتخاذ المواقف اتجاه الأزمات الدولية ومنها غزو احتلال العراق وليبيا وافغانستان تحت ذرائع ثبت زيفها من قِبَل ذات قوى العدوان الامريكي– الغربي، والتدخل الاحتلالي في سوريا واليمن، هل ظل هناك شك في إن الأمم المتحدة والقانون الدولي لم تعد قائمة على أساس العدل والانصاف، وإن على العرب أن يبحثوا عن مصالحهم عبر الاصطفاف مع من يقف إلى جانب قضاياهم، وهي مصالح متبادلة حتما مع تلك القوى والدول بعيداً عن كذبة القانون الدولي الإنساني وشريعة الغاب الدولية؟؟؟
إن هذه الحقيقة تفرض علينا إعادة النظر في مواقف خاطئة اعتمدت اتجاه أطراف أزمات وحروب حصلت منها حرب “روسيا– الناتو” على الاراضي الأوكرانية، والتي شهدت التعلق بأهداب القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة في تفسير العملية العسكرية الروسية الوقائية على الأراضي الاوكرانية، وهي ذات الدعاية التي استخدمت في تدمير واحتلال دول مثل افغانستان والعراق وليبيا وسوريا على سبيل المثال لا الحصر.
المسألة الثانية: الموقف الرسمي العربي
شهدت عدد من بلدان العالم العربي الفترة القريبة الماضية تطبيع العلاقات مع اسرائيل فضلاً عما تم تحقيقه من اتفاقيات ومعاهدات سابقة بدءً من اتفاقية كامب ديفيد وصولاً إلى ما تم عقده في عقد التسعينات من القرن الماضي إثر جريمة العدوان على العراق تحت ذريعة تحرير الكويت ونزع مخالبه في حرب 1991م، وكان من نتائجها الكارثية وتداعياتها المُرّة اتفاقيتي أوسلو وعربة مع منظمة التحرير الفلسطينية والاردن.
أفضت هذه الاتفاقيات والمعاهدات إلى تغلغل اسرائيلي في اقتصاديات عدد من بلدان العالم العربي مقابل تنازلات مهينة على حساب الحقوق في فلسطين خلافاً لما رفع من شعارات في قمم البلدان العربية ومنها قمة بيروت عام 1982م تحت يافطة “الأرض مقابل السلام”، فلا حقوق لفلسطين حُفِظَت، ولا سلام مع العرب أُنجز، بدليل ما تشهده الساحة العربية من غياب للاستقرار والسلام واستمرار قرض الارض والامن من قبل اسرائيل عبر العديد من المشاريع الاستراتيجية وأخطرها مشروع “صفقة القرن”، حيث الاعتراف بالقدس من قبل الإدارة الامريكية عاصمة أبدية لإسرائيل، وبدء مرحلة التهجير للشعب الفلسطيني من غزة والضفة الغربية أمام واقع التوسع ببناء المستعمرات الإستيطانية داخل الأرض المحتلة بعد عام 1967م، والتي اقتطعت منها نسبة 75% حتى الآن خلافا لجميع القرارات والمواثيق الاممية.
وبدلاً من استخدام التطبيع لإقناع إسرائيل بتحقيق السلام ضمن مبدأ الدولتين وفق ما طُرِح َفي مؤتمرات القمم العربية وقرارات مجلس الأمن الدولي، فإن الدول العربية المُطَبّعَة انتهجت سلوكاً يفضي إلى خدمة مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي هو مشروع إسرائيلي بامتياز تكون فيه اسرائيل القوة الاقليمية الكبرى ضمن المحيط العربي، وليس آخراً الذهاب إلى تطبيق مشروع الخط الاستراتيجي الذي يربط الهند بميناء حيفا عبر دول الخليج العربي ونحو العالم الغربي.
السؤال إلى هذه الانظمة في البلدان “العربية”: ألَيس هذا هو مضمون صفقة القرن على حساب العالم العربي ولصالح اسرائيل؟
في ضوء ما تقدم وغيره من متغيرات وفواعل اقليمية ودولية، فإن النظام الرسمي العربي ومنظمته الاقليمية المتمثلة بجامعة الدول العربية تعلن عبر الموقف المتخاذل المعتمد حتى الآن عن الفشل في التصدي لقضايا الأمة بل والمشاركة في ضياع حقوقها المشروعة، وبالتالي فإنها ليست المؤهلة لتحقيق مشروع النهضة العربية، وستكون في حال اختبار صعب لمستقبل العالم العربي.
تأسيساً على ما تقدم، فإن العالم العربي قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 يبدو لدى الكثيرين غيره ما بعد هذا التاريخ سلباً او إيجاباً، حسب ما ستفرزه نتائج الحرب القائمة وتداعياتها اقليمياً ودولياً.
لقد سبق في مقال لنا منشور على منصة منتدى النخب والكفاءات العراقية وافترضنا ثلاثة سيناريوهات أو احتمالات للموقف، بين البقاء على ما هو عليه وتعاظم نسبة التطبيع مع إسرائيل على حساب الحق العربي في فلسطين ومستقبل العالم العربي لصالح مشروع صفقة القرن؛ أو تطورات جوهرية تشهد تدخلات دولية تفضي إلى حرب عالمية يصطرع فيها الغرب مع الشرق على الأرض العربية والشرق اوسطية وفق ما توقعه هنري كيسنجر قبل عقد من الزمان؛ أو اكتساح إيراني للنفوذ، وخاصة في مشرق الوطن العربي ليتحقق لاحقاً إعادة تقاسم النفوذ بين قوى دولية وإقليمية لن يكون فيه للعرب حصة ضمن لعبة الفاعلين إقليمياً ودولياً، وهو الاحتمال الذي يبدو أقرب للواقع بفعل تخادم المصالح والاستراتيجيات رغم تباين المقاصد المعلنة.
ويبقى احتمال لا غالب ولا مغلوب في هذا الصراع الدموي قائماً، والذي يمكن أن ينتج اتجاهات عالمية وإقليمية، إذا ما اقتضت المصالح المشتركة بينها، نحو إقامة مشروع الدولتين على أرض فلسطين، وهو المشروع الذي لا يمكن أن يرى النور دون تحقق التوازن في عناصر وقوى الصراع القائم.
بيد أن الحقيقة التي يفرضها الواقع فرضاً هي إن مصير الغرب ومصالحه الاستراتيجية في الشرق الاوسط وما يترتب عليها من تأثيرات في التنافس على الهيمنة الدولية، يتوقف على ديمومة وتدعيم الدور الاسرائيلي كقوة إقليمية كبرى، وهو الأمر الذي أكّدَته الإدارة الامريكية وحلفائها في الناتو وخاصة الحلف الانجلوسكسوني، أساس بناء هذا الكيان الايديولوجي والاستراتيجي. وبناءً عليه فإن أي اعتقاد يقوم على فرضية إمكانية تحقيق تعاون استراتيجي عربي مع قوى الانجلوسكسون لصالح مستقبل عربي واعد، إن هو إلا خيال سطحي يجد مساحته في عقول المُطَبِعين للعلاقات مع إسرائيل دون شروط مسبقة، أو في عقول المتأثرين بنمط العقل الغربي الذي يقتصر في حسابات المصالح للغرب وحسب، ولو أدى ذلك إلى سحق شعوب بأكملها، وهو ما شهدناه أو اطلعنا عليه أو ما نشهده في تاريخ العلاقات بين الغرب وشعوب العالم الأخرى.
العرب منقسميين على انفسهم لا رؤية لهم لا يجيدوا أى سياسات سوى تسليمنا
أُسارى سذاجة غبية تعتليهم
رؤية كيسنجر هى من تتحرك بها أمريكا اليوم لكنها رؤيا تصلح لزمنه لا الآن تحاول امريكا اغراق المنطقة بصراع مهلك تستدعى فيه
اى القوتيين لكن
القوة الروسية منشغلة بالحرب الأوكرانية وفق استفادة وقتية فقط بتقديم الوقت لها
لنجاحها فى أوكرانيا
والقوة الصينية تدرك جيدا ان اى طريق فهو فرعى لا قيمة له فى تكبيل انفجار تقدمها
ليتركوا امريكا تستنزف نفسها وتحفر مصيدتها بيدها وجها لوجه مع شعوب المنطقة
فالنهاية هى اهداف مقيتة ليست لنا مصالح فيها سوى دماءنا