رؤية إستراتيجية حول العدوان الصهيوني على لبنان
إنطلاقاً من مبادئ المعهد وتمسكه بمصالح الأمة العربية العليا وايمانه بحصول الشعب العربي في الدول العربية كافة على حقوقه المشروعة، واستناداً لهذا المبدأ فإن موقفه االاستراتيجي يؤكد على أن المقاومة الوطنية للاحتلال، بجميع وسائلها المشروعة، هي الطريق الامثل لانتزاع هذه الحقوق، دون الانحياز لأجندات ومشاريع إقليمية ودولية… وقدر تعلق الأمر بمقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الصهيوني، فإنها تحتل مكانة خاصة في وعي الأمة الجمعي وفي ضمير كل عربي مخلص وإنسان حر في هذا العالم، الأمر الذي يجعلها عنصراً اساسياً ومؤثراً في مسار الصراع العربي الصهيوني وتحديد مستقبل فلسطين وحقوق شعبها.
وبهذا الخصوص فإن المعهد العالمي للتجديد العربي يؤكد على منطلقاته الفكرية الرافضة للعدوان الصهيوني المستمر على غزة وكل فلسطين، وعلى لبنان الذي يتعرض إلى تدمير شامل وممنهج قد يمتد إلى دول عربية أخرى بما يهدد حاضرها ومستقبلها، وفقاً لمقتضيات أمن ومصالح الدول الإقليمية المتصارعة على أرض العرب.
إن طبيعة أي حرب عادة ما تكون وفق “اللعبة الصفرية”، أي إلغاء الآخر بصورة تامة والمجيء ببديل ينفذ إستراتيجية الطرف المنتصر كما حصل في احتلال دولة الأحواز العربية وفلسطين والعراق وغيرها من دول العالم، حينما تم تصفير النظام القائم في هذه الدول وتصفية مؤسساتها والإتيان ببديل عنها؛ وإما تكون “حرباً محسوبة بدقة” ينتج عنها اتفاق من نوع ما وفق مقتضيات مصلحة الطرفين، مثلما حصل في حرب أكتوبر بين مصر و(إسرائيل) عام 1973 التي أنتجت اتفاقية كامب ديفيد، والحرب العراقية الإيرانية التي أنتجت إستراتيجية علاقات لم تكتمل بين الطرفين، ومثلما يحصل الآن بين (إسرائيل) وإيران وأذرعها، والتي نستشرف مخرجاتها بإنتاج اتفاق لتقاسم النفوذ بين الطرفين لم تعد ملامحه خافية على أحد.
إن الميليشيات المسلحة المتواجدة في عدد من الدول العربية (لبنان وسوريا والعراق واليمن وغيرها)، والتابعة لإيران، ما هي إلا ظواهر وقتية قد يتم إنهائها في أي مرحلة تقتضيها مصلحة الدولة المتحكّمة بها،، لذا فإن الحديث عن دور ما يُدعى بـ(محور
المقاومة) في مواجهة (اسرائيل) يدخل في خانة الفعل ورد الفعل، ولا يمكن اعتماده في أي رؤية إستراتيجية لنتيجة هذا الصراع، والدليل الأقرب لذلك هو ما جرى لحزب الله في لبنان، الذي يُعد الأقوى من بين هذه الأذرع، عندما تم إنهاكه وإضعافه وتصفية قياداته خلال عدة أيام؛ وبقراءة دقيقة لطبيعة وتركيبة الحشد الشعبي في العراق، يمكننا التأكيد على أنه لن يصمد طويلاً في حال أخذت أمريكا قرار إنهائه؛ ولعل هذا هو الحال، أيضاً، بالنسبة لبقية الأذرع التي بدأت تبحث عن ملاذ آمن.
إن هذه الميليشيات الخارجة عن القانون وعن إرادة الدولة تمثل أقلية في حسابات المجتمع سواءً في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن، قياساً إلى الغالبية العظمى التي ترفض وتمانع الصراعات الدموية المستمرة التي تمارسها هذه القوى والتي تستهدف حاضر هذه الدول ومستقبلها.
لذا ينبغي على العرب كافة تناول الصراع الجاري في المنطقة بتأثيراته على الشأن الوطني في فلسطين ولبنان اولاً والدول العربية الأخرى ثانياً، وببعده الإقليمي المتعلق بمصلحة إيران واسرائيل تحديداً، وأن يضعوا في حساباتهم سؤال يشكل جوهر القضية وهو:
هل إن هذه الحرب كانت بقرار وطني واحد كي تُحشد لها كل امكانات الدول المادية والبشرية والعسكرية الداخلية والخارجية؟
إن الجواب على هذا السؤال واضح:
ففي غزة وفلسطين كلا!!
وفي لبنان كلا!!…
وفي العراق وسوريا واليمن كلا!!.
عندئذ يمكننا ان نتسائل .. متى يمكن ان تكون الحروب عبثية؟
وهل إن الدخول في حرب هو لعبة وتسلية؟ وهل من المفروضٌ على الشعب العربي أن يتحمل تبعات حرب تخدم مشاريع إقليمية بأهدافها ومخرجاتها، مشاريع معادية لأمة العرب، وتهدف إلى السيطرة عليها وعلى مقدراتها!؟
وهنا يجب تحديد موقف وطني عربي يضع الحد الفاصل بين مصلحة الامة العربية العليا ودولها المستهدفة، وبين مشروعين معاديين يستهدفان الامة في وجودها ومستقبلها، هما المشروع الإيراني والمشروع الصهيوني، والتركيز في الموقف على مصلحة الدول العربية العليا وحقوق شعبها. إن الموقف الذي يجب أن يتخذه كل عربي مخلص لوطنه وأمته، هو رفض المشروعين معاً ومقاومتهما بمختلف الوسائل المادية والمعنوية والفكرية والعلمية والثقافية وغيرها.
وفي الجانب الآخر من المشهد الدموي القائم في فلسطين ولبنان، نضع التساؤلات التالية:
- هل للحرب القائمة إرتباط بمصالح حلف شمال الأطلسي الجيوستراتيجية على المستوى الدولي؟ خاصة ما يجري بين روسيا والناتو في أوكرانيا؟
- وهل إن إيران وميليشياتها غير مدركة لحقيقة ما يجمع بين إسرائيل وأميركا والغرب عموماً وما تملكه هذه المنظومة من تقدم عسكري وعلمي وتكنولوجي منقطع النظير، والذي أدى إلى تدمير غزة، وهو اليوم في طور تدمير لبنان بأسره؟
- وهل إن الهدف الحقيقي لهذه الحرب على لبنان يتعلق بعودة السكان إلى شمال إسرائيل وتنفيذ القرار 1701 بحذافيره، وانتهى الأمر؟
أم أنه يتعلق بحسم الصراع مع إيران وصولاً لعقد اتفاق شراكة بينهما بغض النظر عن التدمير الممنهج الذي يجري في لبنان، حيث أن إيران قد أقحمته في حرب لا تخدم سوى أهدافها التي باتت واضحة للعيان؟
ولعل كل سؤال من هذه الاسئلة يحمل الجواب بين طياته.
ومن تفاصيل ما تقدم نؤكد أن الحرب قد فُرضت على الشعب اللبناني والسوري والعراقي واليمني فرضاً، بما يهدد مصير هذه الدول وتهجير شعبها وتدميرها.
وبما أن الحرب قد وقعت بالفعل، ينبغي على القوى الوطنية الحقيقية إستثمار الصراع وتحويله لفرصة الخلاص من ذيول الطرفين المتحاربين، وتصحيح الأوضاع في البلدان المستهدفة.
وفي مشهد آخر، يردد البعض عن أنها ستتحول إلى حرب شاملة بين إسرائيل وإيران وربما تشمل دولاً أخرى.
وهنا إن تمعنّا في طبيعة الصراع ومقدماته ومساراته، وحقيقة الاتصالات الجارية، وضرورات الأمن ومقتضيات المصالح بين الأطراف المتصارعة نخرج بنتيجة هي إن الحرب الدائرة تعد من “الحروب المسيطر عليها” والمرسومة حدودها بين الطرفين؛ إذ إن القراءة الموضوعية تؤكد أن هذه الحرب تُعد ضرورة لكل من (اسرائيل) وإيران كمدخل لعقد صفقة “تقاسم النفوذ” في المنطقة برعاية أمريكية، تحت مبرر أن الصفقة قد جاءت بعد حرب كادت أن تكون “مدمرة”، كي يقبل العالم بهذا الحل راضخاً وراضياً وربما متواطئاً على حساب الأمة العربية ومصالحها!!
ولعل هذا هو المؤشر النهائي واللحظة الحاسمة حول تغيير خارطة الشرق الأوسط التي يتحدث عنها رئيس الوزراء (الاسرائيلي)؛ بذلك فإن إيران تثبت أنها الشريك الحقيقي في الهيمنة على المنطقة.
فهل لدى الدول العربية، بكل مؤسساتها الرسمية والشعبية، من فعل لمواجهة هذا المشهد الكارثي، الذي بات قريباً؟؟
المعهد العالمي للتجديد العربي
19 أكتوبر 2024