وحدة الدراسات الانثروبولوجيةالنقل المباشر لندوة وحدة الدراسات الانثروبولوجية بعنوان : تجليات الهوية وروابط الانتماء في عالم متغير سؤال في البيئة والغرس الثقافي
Posted by Global Institute for Arabic Renewal on Wednesday, June 7, 2023
تقرير ندوة
“اتجليّات الهُويّة وروابط الاتماء في عالم متغيّر : سؤال في البيئة والغرس الثّقافي“
عقدت وحدة الدرّاسات الأنثروبولوجيّة، في الأربعاء 7 يونيو/ حزيران 2023، ندوة علميّة تحت عنوان “تجليّات الهُويّة وروابط الانتماء في عالم متغيّر: سؤال في البيئة والغرس الثّقافي”، أدارتها البروفيسورة ريم الماجري، دكتورة في اللّغة والأدب والحضارة العربيّة- جامعة تونس، وعضو بمخبر بحوث في الأبنية والتّصميم والجمالياّت/ كليّة العلوم الإنسانيّة والإجتماعية تونس.
وقدّم المحاضرة الدّكتور تاجر مراد، دكتور في أنثروبولوجيا التّنميةن بجامعة بشّار- الجزائر منذ 2020 إلى يومنا هذا، وقد عقّب على النّدوة البروفيسور “بن لبّاد الغالي”، دكتور في الأنثروبولوجيا ورئيس وحدة الدّراسات الأنثروبولوجيّة بالمعهد العالميّ للتّجديد العربيّ، وأستاذ بجامعة تامنراست –الجزائر.
دارت محاور النّدوة حول “الهُوية والانتماء بين المحيط الاجتماعي والفكر الثقافي المتغيرّ للمجتمعات، فالبيئة هي فضاء للتجديد وإعادة النظر في الأفكار والسلوكيات داخل المجتمع الواحد، ونحن نسعى لتعديلها وتحديثها حسب ما يتوافق مع مستجدّات المجتمع وتطوّراته ثقافيّا واجتماعيّا وسياسيّا إلى غير ذلك ،باعتبار أنّ ديناميكيّة المجتمع متغيرّة وغير ثابتة . ولعلّ هذا ماتتّصف به الدّراسات الاجتماعيّة والأنثروبولوجيّة ولايمكن بذلك الوصول إلى حقيقة مطلقة في دراساتنا وإنّما تبقى دائما نسبيّة حسب ماتوصل إليه هذا المجتمع من تطوّرات في مختلف مجالات الحياة.
وهذا ما يدفعنا إلى الحديث عن مسألة الانتشار الثّقافي الذي من خلاله تنتقل الثّقافة من مجتمع إلى آخر وتُتبادل فيها الأفكار والتصوّرات والذّهنيات ومن خلالها تنفتح على العالم وهو مايطلق عليه “changement culturel ” أي التّبادل الثّقافي أوالتّغيّر الثّقافي، وهذا التّضارب الثّقافي الذي يخضع لقوانين المجتمع ، يكون أحيانا متناغما مع ثقافة مجتمع دون آخر ، وأحيانا يكون متغيرّا عنها، وذلك حسب قوانين المجتمع ونواميسه . ونحن الآن أمام بيئة رقميّة تفرض نفسها علينا كمجتمعات عربيّة ومغاربيّة وشرقيّة أيضا، هذه المجتمعات تحاول دائما أن تتماسك بما خلّفه الأجداد من عادات وتقاليد راسخة في
المجتمع ، غير أنّ سلطة التّغيير الاجتماعيّ تفرض على المجتمعات الانحياز أمام التطوّر الثّقافي الحديث ، والانسلاخ عن الماضي الذي ثبّته الأجداد . فالفرد يذوب في الجماعة ويتأثّر بقوانين المحيط الذي نشأ فيه ، ومفهوم الجماعة مرتبط بالتغيرّ الاجتماعيّ .
وحينما نتحدّث الآن عن الجماعة من ناحية الطّرح التّقليدي لم تعد الصّورة ذاتها موجودة .أمّا البناء القرابي والأسرة الممتدّة فهي كذلك أصبحت هشّة بفعل التّغير الاجتماعي الذي يجعل من الكائن الإلكترونيّ كما سمّاه ” محمد علي رحومة ” وهو عالم ليبيّ ،أسّس لما يسمّى بعلم الاجتماع الآليّ وعلم الاجتماع الإلكترونيّ.
هذا الكائن الإلكترونيّ إنّما يؤمن ويأخذ معتقداته وقناعاته من هذا الفضاء الإلكترونيّ أو السّيبيراني أو هذه البيئة الرّقمية التي تعجّ بالأفكار والقيم والمعتقدات والتي تلعب على مضامين الغرس الثّقافي.
وهذا الغرس الثّقافي هو مفهوم ارتبط بالتّلفزيون عندما تحدّث “بيار بورديو ” عن التّلفزيون كآلية للتّلاعب بالعقول . ونحن الآن نتحدّث عن البيئة السّيبيرانية والفضاء الرّقمي كآليّة للجذب والتّلقين والغرس الثّقافي . و تخضع المجتمعات دائما لهذه المسألة ، غير أنّ الفرد في المجتمع لا يأمن لهذا الانفتاح الثّقافي على التّكنولوجيا الرّقمية وشبكات التّواصل الاجتماعيّ، خوفا من طمس هُويّة أبنائهم بسبب تغيّر الثّقافات والمعتقدات والذّهنيات ، والحديث عن الهُويّة هو رمز لتكوين شخصية الفرد .
وهذا التّواصل الرّقمي عبر العالم قد يشكّل خطرا على هُويّة الفرد بسبب الاختلاف الفكريّ والعقائديّ والثّقافي وحتّى الدّيني والتاّريخي .
فالهُويّة ترتبط بالثّقافة الكونيّة ،والانتماء الهُوويّ تقاسمته تخصّصات مختلفة . وكان اهتمام العديد من الأنثروبولوجيّين عندما نتحدّث عن “كلارك ويسلر” و ” ويليام بيري” في مسألة الانتشار الثّقافي ومصادر الإشعاع الثّقافي وما يعتبر بالثّقافة المصدر التي تنتقل في أرجاء هذا الكون الفسيح .
والبيئة الرّقمية لايمكن كبحها أو منعها كما يقول ” غاندي” إنّي سأدع نوافذ بيتي وأبوابي مفتوحة لتهبّ عليها جميع أنواع الثّقافات ، إلاّ أنني أرفض أن أقتلع عن جذوري “.
ونرى اليوم أن ّمسألة الفضيلة قد اكتسحتها قيم أخرى عندما تتكلّم عن كيفيّة معالجة المواضيع الاجتماعية في مواقع التّواصل الاجتماعي ، في ظلّ هذا العنف الذي تزداد وتيرته يوما بعد يوم ، لا سيما وأنّ قيم الجمال والتّكافل والتّضامن والتّراحم أصبحت مهدّدة . إنّ الحديث عن الهويّة والثّقافة والانتماء هي عوامل مرتبطة ببعضها البعض ومتلاحمة . فالهُويّة تمثّل شخصيّة الفرد الذي يشكلّها انتماؤه إلى محيط معيّن وبيئة خاصّة نشأ فيها.
فكلّ العوامل السّالفة الذّكر من بيئة رقميّة وتكنولوجيّة تشكّل معوقات سلبيّة أكثر منها إيجابيّة في تحريف الهُويّة والثّقافة للمجتمع الواحد .
ونخلص إلى القول إنّ التّبادل الثّقافي بين المجتمعات قد يخلق هُويّة أخرى للفرد بإيجابيّاتها وسلبياّتها . وهذا ما يؤكّد أنّ الهُويّة والانتماء والثّقافة هي عوامل متكاملة تشكّل شخصيّة الفرد وتبني كيان المجتمع.
تقرير الدكتورة قوراري منيرة
مقرّر وحدة الدّراسات الأنثروبولوجية