الدكتورة نورية العبيدي
أكاديمية عراقية متخصصة في علم النفس العام
في مثل هذا اليوم 20 نوفمبر، يصادف اليوم العالمي لحقوق الطفل. فقد مر خمس وثلاثين عاما على مصادقة الأمم المتحدة على اتفاقية حقوق الطفل بموجب قرارها 25/44 الصادر بتاريخ 20 نوفمبر 1989. وهي فرصة سنوية للوقوف على ما أنجز في حق الطفولة، ورصد مكامن الخلل، وفرصة أيضا لتوجيه الأنظار نحو كل العاملين في قطاع الطفولة ببلادنا العربية كي يراجعوا المكتسبات لصالح الطفولة العربية مقارنة بالمكتسبات لصالح الطفولة في البلدان المتقدمة في العالم.
ونأمل في هذه المناسبة أن يلتفت أصحاب القرار بمختلف جهاتهم إلى ملائمة التشريعات في كل بلد عربي مع المواثيق الدولية، وتعزيز حقوق الطفل وتفعيل دور البرلمانات فيما يتعلق بحقوق الأطفال في التعليم والعيش الكريم وتفعيل مراكز كافية لإشاعة ثقافة الصحة النفسية الخاصة بالأطفال والمراهقين، وبأسرهم وكل المرافق والمؤسسات التي تعني بالطفل، والتأكيد على الإصغاء للطفل وحل مشاكله النفسية، وحمايته من سوء المعاملة، وتعزيز التعاون مع جمعيات المجتمع المدني التي طورت أشكال تدخلها في مجال حماية الطفولة. وإعداد خطط دقيقة وواقعية، وبرامج فاعلة تحت شعار “من أجل بلاد عربية جديرة بأطفالها”. فلا يزال الغالبية من اطفالنا، يعانون من الفقر والحرمان من التعليم، ويتعرضون لشتى أشكال العنف والاستغلال، ولا يزال الالاف من الاطفال محرومين من الدفء الأسري، ولا تزال هناك فتيات صغيرات “يعشن” في الشوارع متسولات، من دون اهتمام من المسئولين في بلدانهن، وغالبا ما يتعرضن لمختلف أشكال العنف الجسدي والنفسي. وهناك الملايين من الاطفال، ذكورا واناثا، ممن تعرضوا لظروف وازمات شديدة، بسبب الحروب والتهجير، أو العنف الاسري من دون رادع! أو الاوضاع المادية المتردية لأسرهم، مما جعلهم يضطرون إلى العمل مبكرا. وما تزال وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تطالعنا يوميا، عن نماذج للتعذيب والوحشية التي يكون ضحاياها
الأطفال من اعتداءات من جهات مختلفة بما فيها أسرهم! وقد وصل الحال بأطفالنا أن يباعوا مثل ما تباع الحيوانات، أو أسوء من ذلك يقتلوا من اقرب الناس اليهم!
وبهذه المناسبة، علينا التذكير، بأن العنف الذي يمارس على الأطفال، أي كان شكل الطابع الذي يحمله، عدوان، أم استفزاز، أم تعذيب، أم تأنيب، أم صراخ، أم عنف نفسي مثل ابعاد الطفل عن احد والديه، أو حرمانه من الدراسة التي يحبها، علينا أن ندرك أنه يمارس على فرد هو في اخطر مراحل العمر واكثرها حساسية، هذه المرحلة التي تتأسس عليها كل مراحل عمره التالية، وتؤثر في جميع نواحي نموه الجسمي والنفسي والعقلي والاجتماعي والروحي والاخلاقي والصحي. وقد يتراوح تأثير العنف على الطفل بتراوح طبيعة العنف الممارس في حقه، وعلى مدى قدرة الطفل على التحمل والتكيف معه، وغالبا ما يدفع العنف الى إعادة إنتاج العنف، وقد يتجلى ذلك في سلوكيات عدوانية تأخذ اشكالا على حسب البيئة التي يعيش فيها الطفل.
في اليوم العالمي للطفل، يُفترض أننا نحتفل بأهمية حقوق الأطفال، وحماية النمو الجسمي والعقلي والروحي والاجتماعي المناسب لكل طفل في جميع أنحاء العالم. ويجب قبول الحقوق المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل عالميًا ودعمها، ولكن هذا غالبًا لا ينطبق على العديد من الأطفال في جميع أنحاء العالم، وسيما اطفالنا في البلاد العربية .
وبتسليط الضوء على وضع الصحة النفسية السيء للأطفال والمراهقين في بلداننا، تتضح الحاجة إلى الاستثمار وإعطاء الأولوية لدعم الصحة النفسية وخدماتها للأطفال وأسرهم.
تحديات الصحة النفسية للأطفال في الوطن العربي
تفاقمت تحديات الصحة النفسية للأطفال أثناء جائحة كوفيد-19. وتشير الأدلة إلى أن تعاطي المخدرات واضطرابات الأكل والقلق وصعوبات المزاج قد زادت في المجتمع، ولن نغفل عن تأثير ذلك كله على الاطفال. وشهدت مستشفيات الأطفال زيادة في عدد الحالات التي قدمت إلى أقسام الطوارئ بسبب مشاكل صحية جسمية ونفسية. ومع زيادة احتياجات الصحة النفسية، فإن الحاجة إلى الخدمات والدعم قد زادت أيضًا.
وبسبب أزمة الوصول إلى الرعاية الصحية النفسية للأطفال في الوطن العربي، نوصي بالاتي::
- منع التحديات المتعلقة بالصحة النفسية: وكلما كان ذلك مبكرًا كان ذلك أفضل
إن أفضل طريقة لمعالجة الزيادة في احتياجات الصحة النفسية هي تنفيذ الخدمات والسياسات التي تمنع زيادتها. وإن استهداف السنوات الأولى من الحياة أمر منطقي لأن معظم الصعوبات المتعلقة بالصحة النفسية في مراحل العمر اللاحقة لها أصل في مرحلة الطفولة. وبناء على ذلك، فإن تحسين الوصول إلى خدمات الطفولة المبكرة، والوعي بالصحة النفسية في مرحلة الطفولة المبكرة، والدعم والتعليم لمقدمي الرعاية ومقدمي الخدمات المجتمعية، فضلاً عن تعزيز الصحة النفسية المبكرة على مستوى المجتمع، أمر بالغ الأهمية. - دعم الأطفال والمراهقين من خلال دعم البالغين
إن الأصول الأكثر ثباتًا للأطفال والمراهقين هي الأسر المهتمة، والمدارس المثالية، والعلاقات الجيدة بين الأقران. لذلك يجب ألا نركز في جهود الوقاية على الاطفال فحسب، بل أيضًا على البيئات التي ينمون فيها. ويجب أن يكون البالغون في حياة الأطفال أصحاء جسميا ونفسيا، إذا اردنا أن ينشأ الاطفال بشكل سوي. - زيادة التمويل لخدمات الصحة النفسية للأطفال والأسر
لقد طرحت جمعيات عامة عالمية للصحة النفسية ومنظمات داعمة للصحة النفسية دعوات لزيادة التمويل لخدمات الصحة النفسية للأطفال والمراهقين لمعالجة فجوات خدمات الصحة النفسية لهم. فبالإضافة إلى الفوائد التي تعود على الأفراد، تظهر النتائج أن العائد على الاستثمار لكل مبلغ يُنفق على الوقاية من صعوبات الصحة النفسية وعلاجها لدى الاطفال والمراهقين، لا تؤدي هذه الاستثمارات إلى زيادة الرفاهية لهم فحسب، بل إنها أيضًا سياسة اقتصادية جيدة. - تحسين الوصول إلى الخدمات
يجب تحسين الوصول إلى خدمات الصحة النفسية في جميع أنحاء البلاد. وبالنسبة لمعظم الأطفال، يحصلون على خدمات الصحة النفسية من خلال المدارس. ومع زيادة التمويل والدعم لقطاع الصحة النفسية سيما للأطفال والمراهقين، قد يمكّن ذلك الوصول المستمر إلى الأساليب الافتراضية لخدمات الصحة النفسية، وخيارات يمكن الوصول إليها وفعالة لدعم الصحة النفسية، مع إمكانية عالية للوصول الموسع في جميع أنحاء البلاد.