احتفالية الذكرى الرابعة للتأسيس –المشروع العربي: فرص، مبادئ وتحديات
مساء 20-23 يونيو 2023
بمناسبة الذكرى الرابعة لتأسيس المعهد العالمي للتجديد العربي، يحتفل المعهد خلال الفترة 20-23 يونية بعقد أمسيات ثقافية ومحاضرات وندوات حول “المشروع العربي- فرص، مبادئ وتحديات”، يشترك فيها عدد من المفكرين والأكاديميين والمثقفين العرب من أعضاء المعهد وغيرهم… وبرؤية علمية وواقعية سيناقش الاساتذة المتحدثون والحضور مجموعة من الأفكار الخلاقة حول ماهية المشروع العربي، وتحديد أطره وبلورة عناصره، وفرصه في النجاح وتحقيق التغيير في ظل ما يواجهه من تحديات داخلية وإقليمية وعالمية، والتعريف بمضمونه وإمكانيات المشروع في الاستدامة والتطوير مع تعاقب الأجيال.
برنامج احتفالية الذكرى الرابعة لتأسيس المعهد
تحميل البرنامج
الافتتاح – 20 يونيو 2023
احتفالية الذكرى الرابعة"احتفالية الذكرى الرابعة لتأسيس المعهد العالمي للتجديد العربي"
Posted by Global Institute for Arabic Renewal on Tuesday, June 20, 2023
كلمة الدكتور خضير المرشدي رئيس المعهد
- مؤسس ورئيس المعهد العالمي للتجديد العربي
- طبيب استشاري أمراض الدم والأورام
الأخواتُ والأخوةُ الأعزاء
ضيوفَ وأعضاءَ المعهدِ العالميِّ للتجديد العربي .. أرحبُ بكم أجملَ الترحيب، وأُحييكم في هذه المناسبة التي نعتز بها كثيراً بوصفها كانت الفرصةَ التاريخيةَ لانطلاق مشروعِ التجديد العربيِّ الذي طالما يتساءل عن غيابه الكثيرُ من المفكرين والمثقفين والمهتمين بهذا الشأن من السياسيين وقادة الرأي العام.
إن مشروعَ التجديدِ العربي الذي يسعى المعهد لتحقيقه وفق آلياتٍ ووسائلَ ذكيةٍ مواكبةٍ لمنجزات العصرِ وتوجهاتِه، هو المشروعُ الذي نرى أن يملأ الساحة العربية نوراً ومعرفةً وابتكاراً وإبداعاً ليسهم العرب من خلاله في بناء منظوماتهم الفكرية على أسس جديدة وبطرق تفكير مبتكرة، يجددون فيها مفاهيمَهم الثقافية، باستلهام قيمِ حضارتِهم العربيةِ بخاصة، والحضارات الإنسانية وأفكارها بعامة، وبمواكبة التطور العالمي في مختلف المجالات.
نجددُ الترحيبَ بحضراتكم، متمنين لكم أوقاتاً مفيدة، ومتطلعين إلى أن تكون حلقاتُ الاحتفاليةِ الرابعة مجالاً لمناقشاتٍ ومداخلاتٍ جادةٍ على طريق مشروع التجديد .. ونهنيء انفسنا وابناء امتنا بهذا الانجاز.
ولا بد لي من التوجّهِ بالشكرِ والعرفانِ لكل الأخوات والأخوة الذين وضعوا جهداً وإن كان صغيراً في بناء هذا المعهد الطموح الذي بدأ يشق طريقه باتجاه أن يكون مدرسةً فكريةً عربيةً حديثة تشعُّ بنورها في أرجاء الوطنِ العربي الكبير لتسهم أو تحقق بالتعاون مع المؤسسات الفكرية والثقافية العربية النظيفة والجامعات ومعاهد العلم والفكر والمعرفة، الأطرَ الرصينةَ والمحتوى المعاصرَ لمشروعِ العربِ الجديد.
غالباً ما نسمع عن أهمية قيام مشروع عربي، وأنَّه المفتاحُ السحريُّ لحل أزمات المنطقة، وبتحقيقه نظرياً وعملياً فإنه سيحرر بلداناً عربيةً قد احتُلت أو على الأقل قد يمنع احتلالها من
قبل كالأحواز وفلسطينَ والعراقِ، ويقف عائقاً أمام التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية في شؤون الدول العربية في مغرب الوطن العربي ومشرقه، وبعضهم ذهب للقول لو كان للعرب مشروعٌ، لما تجرأت أمريكا على احتلال العراقِ وتدميرِه، ولما استطاعت إيران الهيمنةَ عليه وعلى أربعةِ عواصمَ عربيةٍ، وتدخلت في شؤون الدول الأخرى، وهكذا تثار تساؤلات وتُجرى حواراتٌ في كل مناسبة يتركزُ فيها الحديثُ على أزماتِ الدولِ العربية، ولعلّ أكثر من يتساءلُ عن هذا المشروعِ هم المثقفون العرب، حينما يشيرون إلى تساؤل افتراضي لو كان للعرب مشروعٌ مثلما للآخرين مشاريعُهم بغضّ النظر عن طبيعة هذه المشاريعِ واختلافِ أهدافها وتوجهاتِها، لَما وصل حالُ الأمة إلى ما وصل إليه!!
لكن التساؤل الأهم والأكبر، هل إن مشروعاً عربياً متخيَّلاً قد يضع حلاً لأزمة داخليةٍ قائمة، ويشكل مانعاً أمام تدخل خارجي حتمي؟؟
وهل كان للعرب مشروعٌ عربيٌّ وان بدا نظرياً، وانتهى لأسبابٍ داخليةٍ وتحدياتٍ خارجية؟؟
أم أنه على الدول العربية أن تبادر لبناء هذا المشروع، الذي لم يولد يوماً، في مواجهة مايحيطُ بها من مشاريع تستهدف حاضرَها ومستقبلَها مثلما استهدفَت من قبلُ ماضيها، وشوّهت تاريخَها وتراثَها فكرياً وثقافياً ومادياً ومعنوياً ومنجزاتٍ، إلى أن أسقطت حضارتَها بسقوط بغداد عام 1258م؟؟… ومثلما أجهضتِ المشروعَ القوميَّ وأسقطت منطلقاتِه الفكريةَ وإنْ كان في بداياته، واجتثَّت منجزاتِه ورموزَه باحتلال بغدادَ عام 2003م!!، ومن قبلها سقوطُ المشروعِ وما أصاب العربَ من تدهورٍ وتراجعٍ وإحباطٍ نتيجةَ هزيمةِ 5 حزيران القاسية عام 1967م.
ولنتساءلْ في السياقِ نفسه، هل الدولةُ العربيةُ الإسلاميةُ التي قامت بعد ظهور رسالة الإسلام… كانت مشروعاً عربياً كما يرى البعض، أم انها نتاج أمم عديدة من غيرِ العربِ قد ساهمت في صنعِها… رغم ان الرسالة قد انتشرت بفضل العرب وإيمانهم وتضحياتهم، وهم الذين كانوا قادتَها وحمَلَةَ لوائِها.
لعل التاريخَ يحدثُنا عن حقيقةِ هذه الحضارةِ، وكيف أنها قامت وامتدت وانتشرت رغم ما أصابها من تصدع وفتن وحروب وارتداد وصراع كان جلُّه يجري على السلطة ومن أجل السلطة، منذ انطلاقتها الأولى بعد وفاة قائدها الأول الرسول الأكرم محمد (ص)، وانتهت بسقوط الأندلس نتيجة تلك الصراعات البينية التي جرت بين الأخ وأخيه والابن وأبيه ليمتد هذا الصراع إلى عصرنا الراهن بصيغٍ أخرى.
هذه الظواهر جرت في إطار دولة واحدة امتدت شرقاً وغرباً عندما حققت وحدةَ القيادةِ والفكرِ والأهداف، من دون أنْ تلغيَ خصوصياتِ الدولِ والأمصارِ بل إنها احتفظت بخصوصياتِها التي كانت تتنافسُ مع خصوصياتِ شقيقاتِها من الأمصار والدول الأخرى، إلى أن وصلت المنافسةُ أحياناً حدّ الاقتتال والصراعِ الدمويِّ، رغمَ القوةِ الأيديولوجيةِ والماديةِ والروحيةِ وسطوةِ القائدِ (الخليفة) التي حكمت تلك المرحلةَ التاريخيةَ حتى بدايةِ العصرِ الحديثِ الذي بدأ بعد الحرب العالمية الأولى.
فكيف لمثقفٍ أو سياسيٍّ أكاديميٍّ باحثٍ عن الحقيقة يتحدثُ عن مشروعٍ عربي في القرن الحادي والعشرين، يتجاهل ان العالم يشهدُ بناءَ مدنيةٍ معاصرةٍ تساهمُ في بنائها دولٌ كبيرةٌ وبجانبِها دولٌ صغيرةٌ نهضت من تحتِ الركامِ عندما تغلبت على ذاتها وتسامَت فوق جراحِها وحاربت نزعاتِها ونظّفت عقولَها من درنِ أيديولوجياتٍ مقيِّدةٍ ومكبِّلةٍ للعقلِ ومخالفةٍ للمنطق، وتخلصت من خطاباتٍ متعفنةٍ متآكلةٍ ومستهلَكة، وتغلبت على انتماءاتها الفئوية، وحققت هويتَها الوطنيةَ الجامعةَ تحت مفهومِ المواطَنةِ الحقيقية، وصنعت محتواها الفكريَّ والعمليَّ في اعتمادِ تنميةٍ وطنيةٍ وإنسانيةٍ شاملة، استثمرت فيها بعقلِ الإنسانِ ، وركزت جهدَها على تثويرِ قدرتِه في مجالِ الابتكارِ والإبداع في مجالات العلم والتكنولوجيا الرقميةِ وتطويرِ مهاراتِه في العلومِ الإنسانيةِ كي تحققَ (وقد حققت) بناءَ مجتمعِ المعرفةِ والتعليمِ والتعلّمِ الذي يقترنُ بالمواطنةِ حتماً والذي يشكل القاعدةَ لبناءِ أيِّ مشروعٍ للنهضةِ المعاصرة ( حيث لا تنميةَ ولا إبداع ولا ابتكارَ ولا اختراع ولا تعليمَ ولا مواطنة أو نهضةً يمكن لها أن تتعايشَ مع نزعات وصراعات أصوليةٍ دينية وطائفية أو قومية متعصبةٍ أو قبَليةٍ متخلفة، أو استبدادٍ وتعسفٍ وفساد، أو تدخلاتٍ وأطماعٍ خارجيةٍ هدفُها الهيمنةُ والاستعباد).. انطلقت هذه الدولُ في تحقيقِ نهضتِها، وضمان مستقبلِها استناداً الى مبدأ استثمارِ الإمكانات البشريةِ قبل المادية، حيث إن جودةَ الإدارة وحكمةَ القيادةِ هي المفتاحُ للنهضة وإن شحّتِ الثرواتُ والإمكانات.
ولعل هذه العناصر تمثل أهم التحدياتِ التي تواجه دولاً بعينها، منها دولٌ عربيةٌ لتُعيقَ إسهامَها في أن تكونَ جزءاً من المدنيةِ العالميةِ المذهلة، في سرعةِ إنجازاتها العلمية والتقنية الذكية والقائمة على المنافسة في الاكتشاف والابداع والتعلّم والتفكير الواعي.
يتأسسُ على هذه الحقائق، طبيعةُ المشروعِ العربي الذي ينبغي أنْ ينشأَ وفقَ رؤيةٍ براغماتيةٍ عصريةٍ لا تتأثرُ بفرضياتٍ مسبقةٍ ولا يتقيدُ بنظرياتٍ أصوليةٍ متخلِّفة..
رؤيةٍ تحققُ المصلحةَ الوطنيةَ لكلِّ دولةٍ عربيةٍ، وتعززُ الاحتفاظَ بخصوصيتِها، واستثمارِ امكاناتِها الماديةِ والمعنويةِ وتوظيفِ قواها الناعمةَ والذكيةَ والخشنةَ ممثلةً بعنصرِ الطاقةِ والاقتصادِ وقدراتِ أبنائها في الابتكارِ وتطوير المهارات؛ لتسهمَ في بناءِ المدنيةِ المعاصرة في الوقت الذي تجسد فيه بقوةٍ .. عمليةَ الانتماءِ لعالمٍ عربيٍّ كبيرٍ يتشكلُ وفقَ مبدأ المواطنةِ العربيةِ الإنسانيةِ التي ينبغي أن تشكلَ مرجعيةً فكرية وثقافية للإنسان العربي، وحالةَ انتماءٍ جغرافيٍّ وتاريخيٍّ له، تحقق حريةَ اختياراتِه وانتماءاته الفكريةِ وفقَ ما يرغبُ، وحسبما يؤمن. وتضمنُ له حريةَ إقامتِه وعيشه بكرامةٍ حيثما يشاء في وطنٍ عربيٍّ كبيرٍ تنتظمُ فيه الحياة بتشريعاتٍ قانونية تحقق التوازنَ بين حقوق الإنسان العربي وواجباتِه تجاه الدولة التي يختار أن يعيش فيها والتي بمجموعها تسهم بتعزيز مبدأ المواطنة العربية في نوع من التكامل والتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني والمعرفي، والتكافؤ في الفرص بين فئات المجتمع العربي وأثنياته واحترام الارادات والمصالح المشتركة لهذه الاثنيات، وبمستوى من التنسيق والتوافق في السياسة ووحدة الفكرِ والتوجهِ والمصير .
لعل هذه أهمُ عناصرَ ومرتكزاتِ قيامِ مشروع عربي معاصر يستوعب الحاجاتِ الوطنيةَ لكل دولة عربية، ويتفاعل مع المتغيراتِ الإقليميةِ والدوليةِ بوحدةِ الموقفِ الذي يتشكل في إطار حوار عربي – عربي جادّ ضمن اطر قانونية ومؤسساتٍ دستورية للتكامل والتعاون والانسجام.
الاخوات والاخوة الحضور
لتحقيقِ النهضةِ والمشروعِ الحضاريّ، ينبغي عدمُ الخوضِ في التنظير والتسييس والأيديولوجيا التي أحاطت به وشكلت محتواه في فتراتٍ مضت، وحرمتْه من فرصة أنْ يكونَ قدوةً في التغيير والتجديد، ليتحول إلى قوةِ سحب للوراء، والاستقرار في قعر التاريخ، أو أنْ يكونَ قوةَ قهرٍ واستبدادٍ في الشعب ضمن الدولة الواحدة، أو منطلقاً للعدوان ضد دول أخرى. كما حصل في الاقليم في العقود الماضية، وفي أوروبا لقرون خلت عندما تحول المشروع بفعل الأدلجة والتسييس وسلطة رجال الدين والإقطاع من قدوة في النهضة، إلى قوة مستعمرة متسلطة.
عندما يتحدث بعضُ السياسيين عن أهمية ادلجة المشروع العربي، فينبغي عليهم أنْ يدركوا انهم يُدخلون هذا المشروعَ في دهاليز أيديولوجيات متباينة، وأحياناً متناقضة ومتصارعة بين بعضها، ليفرضوا إحداها التي كسبت الصراع، ليتحول المشروعُ بعدئذ، إلى أداة قهر وكبت وإلزام، وهو الأمر الذي يتناقض مع طبيعة النهضة التي تقتضي توفرَ حريةِ التفكير والضمير والرأيِ والانتماءِ والاختيار.
من البديهيات الثابتة، إن المشروع النهضوي فشل بعد تحوّله التدريجي من البراغماتية الوطنية إلى الأدلجة تحت مبرر التخلص من الاستعمار والهيمنة الغربية، معتمداً بذلك على افكار دينية اصولية أو قومية متعصبة أو ماركسية مستغربة او قبَليةمتخلفة أو غيرها، أو بتقليد ثقافة الغرب طريقاً للنهضة، وعوضاً عن اعتماد عناصر عملية تقدم هدف النهضة على أي هدف أيديولوجي تنظيري طوباوي مجرّد من أية قيمة عملية .. ساهمت الحركات الفكرية في الوطن العربي في ترسيخ مفاهيم أيديولوجية أقفلت العقلَ العربي وجعلته أسير شعاراتِها وخطاباتها، ولم تقدمِ البديلَ للثقافة السائدةِ في الوطن العربيّ القائمة في معظمها على الأساطير والأفكار المتخيّلةِ والحالمةِ، وشكلت بمجموعها سببَ التخلف والتراجعِ الذي ينبغي مواجهتُه بمشروع التجديد والنهضة ..
ولنأخذ الصينَ المعاصرةَ مثالاً، عندما غادرتْ مفهومَ الأدلجةِ الماركسيةِ المغلقة، وانتهجت مبدأَ البراغماتيةِ الوطنيةِ في بناءِ مشروعِ النهضة، الذي كان همُّه الوحيدُ تحقيقَ مصلحةِ الصينِ الوطنيةِ، وخدمةَ المجتمع الصينيِّ، وتحقيقَ الإنجازاتِ العظمى في مجالات العلم والتكنولوجيا الرقميةِ والمعرفةِ والتنميةِ الإنسانية والثقافة، مقرونةً بحنكةٍ في التعامل مع الاحداثِ الدولية، وحكمةٍ في مواجهة التحديات الكبرى، يؤكد سلامةَ المنهج الذي ينبغي أن تستفيدَ منه الدولُ العربية في بناء مشاريعها الوطنية التي بمجموعها تشكل محتوى المشروع العربي الذي ينبغي ان يقوم حتماً على التعددية واحترام الخصوصية ..
ولعل التوجهَ الصينيَّ يتماهى مع التوجهات العربية في ثلاثينيات القرن الماضي، وتوجهات بعض الدول العربية حالياً، التي نشأت على فكرة براغماتية وطنية همّها الوحيد خدمة المجتمع العربي وتحقيق نهضته، مُفادُها البحثُ عن الحقيقةِ أياً كان مصدرُها، ما دامت تخدمُ الهدفَ الذي لا يتغير المتمثلَ في التغيير ذاته .
ختاماً .. دعوني أن أترحمَ على زملائنا الذين غادرونا، ونسألُ اللهَ لهم الرحمة، ونوجهُ التحية لكل من غادر المعهدَ من الأحياء دون استثناء لأحدهم، وأشكركُم على حسنِ الاستماع متمنياً لكم دوامَ الصحةِ والسلامة والعطاء، وإلى لقاءات أخرى مع أسمى اعتباري ومحبتي وتقديري
تحميل كلمة رئيس المعهد
كلمة الأستاذة سميرة رجب نائب الرئيس
- نائب رئيس المعهد العالمي للتجديد العربي للتخطيط والتطوير
- وزيرة الإعلام في مملكة البحرين سابقا
سعادة رئيس المعهد العالمي للتجديد العربي
الزميلات والزملاء أعضاء المعهد… ضيوفنا الكرام
أسعد الله مساءكم جميعاً في أول أمسيات احتفاليتنا بالذكرى الرابعة لتأسيس المعهد… حياكم الله جميعاً وسنبدأ هذا المساء أولى البرامج التي ستستمر على مدار أربعة أمسيات متتالية بفعاليات فكرية وفنية متنوعة، والتي نرجو أن تكون على مستوى الطموح فيما نصبو إليه في معهدنا الرائد برؤيته وأهدافه واستراتيجيته وميثاقه الفكري…
سيداتي وسادتي
إن ذكرى تأسيس المعهد يُرجِعُنا دائماً إلى الأساس، إلى البدايات، وإلى الطموح والعزيمة وراء تلك الفكرة التي اجتمع حولها المؤسسون، كما يُرجِعُنا إلى الإرادة الواضحة التي أنشأنا عليها المعهد بدءً بالرؤية، ومن ثم وضع المبادئ، ثم التخطيط، وبناء بنيته التحتية، ثم تحديد أدوات العمل، وآليات التطوير الذي يجب أن يستمر ما دام التطور المعرفي مستمراً… وقد سعينا من خلال هذا المعهد إلى خلق مدرسة فكرية عربية رائدة ومتميّزة بآفاق ومعايير عالمية إنسانية، وجاذبة لأكبر جمعٍ من العلماء والمفكرين والمثقفين العرب في كافة التخصصات العلمية والتوجهات الفكرية؛ وخلق فضاء عربي حر لصناعة الفكر، برؤية تجديدية تعتمد على البحث والدراسة العلمية لتفيكيك أسباب تخلف الأمة واستشراف مستقبلاتها الناجحة؛ بدراسة النجاحات، وتحديد الانتكاسات، وتحديد الأسباب، وانتاج البدائل الفكرية السليمة لوضع تصور عميق حول مشروع المستقبل العربي.
كانت تلك هي البداية التي وضعنا لها القواعد الرئيسية والتفصيلية في بناء أركان هذا المعهد ليكون صرحاً تذوب فيه الخلافات والاختلافات العربية في سبيل تحقيق أهداف سامية اختزلت عزم المؤسسين، وعزيمة كل أعضاء المعهد؛ ووضعنا لمعهدنا أهدافاً واضحة، خالية من التأطير الذاتي والايديولوجي؛ محصنة من الإختراق الثقافي والفكري والأخلاقي؛ وبعيدة عن التسطيح المعرفي… هي تلك الأهداف التي تدور في فَلَك رؤية المعهد، وحولها؛ في مبادئ المعهد وميثاقه الفكري وغاياته وأدائه اليومي… وكانت
الرؤية هي نقطة انطلاقتنا، التي بدأنا بها لوضع استراتيجية المعهد، لتبقى نبراساً ينير دربنا في كل مراحل العمل…
الرؤية التي اختُزلت في كلمات قليلة تؤكد على أن المعهد يسعى إلى:
“بناء فكر عربي حُداثي يستلهم قيم الحضارة العربية ويواكب المتغيرات العالمية ويرفد الثقافة العربية بمصادر وأدوات التجدد”؛
ورسالتها هي:
“خلق أطر فكرية ومضامين ثقافية عربية حديثة تستنهض الشعب العربي بكافة أقطاره ومهاجِره لمواجهة التحديات بمنظور عربي متفاعل مع البعد الأممي، بما يعيد للأمة قوتها ويجدد دورها الحضاري التاريخي لتأخذ مكانتها بين الأمم على مبدأ الصداقة والسلام والتطور الحضاري الإنساني”
هذه هي رؤية ورسالة المعهد العالمي للتجديد العربي، الذي نعمل جميعاً على أن يكون منصة عربية للتجديد الفكري في جميع مناحي العلم والحياة، تعتمد مبادئ حديثة في مفهوم العمل الفكري الإيجابي، بعيداً عن التنميط السلبي والماضوي والتخاذلي الذي يجتاح الأمة؛ لنكون أمة نبني ولا ندمر؛ مؤمنين بمستقبل عربي قادم أكثر إشراقاً نساهم في بنائه كي نلتزم بحمايته ومده بعناصر القوة؛ نرفض فكر الرفض من أجل الرفض، ونعمل بفكر النقد العلمي من أجل الإصلاح والبناء؛ كي لا نكون أمة هدم وتدمير التي وصفها الله تعالى في كتابه المجيد: “كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا” (سورة الأعراف 38)، بل نؤمن بالأسبقون، ونحترم الآخر، ونسعى لنكون في المقدمة بعزم وجدارة…
السادة والسيدات الحضور،
لا أريد أن أطيل في هذه الكلمة، ولكن وضعت هذه المقدمة لتكون استكمالاً لكلمة سعادة رئيس المعهد، ولتكونا معاً كلمة شاملة، ملبية لما نحمله معاً من عزم وإرادة في نجاح هذا المعهد، مع التأكيد على علمنا بأن هذا المعهد يعمل في بيئة عربية متلاطمة بتوجهاتها، ومستهدفة بإختراقات خطيرة، بل بإحتلالات، مباشرة وغير مباشرة، وبيئة عالمية مدمِرة لكل عزيمة عربية صادقة ونبيلة تعمل من أجل مستقبل عربي ناجح ومزدهر، ولكنها بيئة عالمية تعيش اليوم فترة انتقالية متغيرة قد نتمكن نحن العرب، كل من موقعه، أن نجني ثمارها للتقدم والخروج من حالة التبعية والهيمنة على أمتنا من فكر غربي استعماري ظلامي، فُرض علينا ردحاً من الزمن، وحان له أن ينتهي ولليل أن ينجلي…
هذا هو المعهد العالمي للتجديد العربي، الذي سيبقى محافظاً على قيم ومبادئ حرية الفكر، واحترام الآخر، ويتعامل مع كل صديق يؤمن بحق العرب في الاستقلال والتقدم والإزدهار، ويتجاوز بالعمل والمصداقية كل من يرفض حقوقنا العربية كأمة ذات حضارة عريقة، وإرادة صادقة في السلام والتطور والتقدم…
وأخيراً، وفي هذه الذكرى الرابعة لتأسيس المعهد الذي يوافق 27- 30 يونية/ حزيران 2023، نتقدم بأسمى التهاني والتبريكات لكافة المؤسسين، وإلى سعادة رئيس المعهد، وكافة أعضائه، متمنين لمعهدنا دوام النجاح والتقدم… وبهذه المناسبة نستذكر الأخ الدكتور المرحوم علي الحرجان، وهو الإنسان النبيل الذي أعطى المعهد الكثير من الجهد والمال في تأسيسه، ودعمه في المراحل الأولى في بناء هذا الصرح الفكري العربي، ولم يتوقف عن هذا الدعم وعن نشاطه الدؤوب في عملية التأسيس والتطوير حتى آخر يوم في حياته… من القلب ندعو له بالرحمة والجنة والغفران، ونقدم له وعدنا بالمواصلة والاستمرار تحقيقاً لحلم اشتركنا فيه معاً، ولأمة نزهو بهويتها ومجدها….
وشكراً على حسن استماعكم….
تحميل كلمة نائب رئيس المعهد
كلمة الدكتور محمد عبيدي – القانون والتنمية: التحديات والفرص، الوطن العربي نموذجا
- رئيس لجنة الاستشارات القانونية بالمعهد العالمي للتجديد العربي
- أستاذ جامعي وباحث قانوني- الجزائر
مقدمة
أستهل مداخلتي بالقول أنه لا يوجد مشروع عربي محدد المعالم، تحت مسمى “المشروع العربي”، ولا توجد آليات متفق عليها أو اطار قانوني خاص يؤسس لهذا المشروع على غرار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCED، بقدر ما توجد مبادرات هنا وهناك يغلب عليها الطابع الاكاديمي أو الجهود الفردية للنهوض ببعض المجالات التي يمكن أن تساهم في نهضة وتقدم الوطن العربي على المستوى القطري لاسيما ما تعلق منها بالديمقراطية وحقوق الانسان وحرياته الاساسية والتعليم والاقتصاد والبيئة والتكنولوجيا الرقمية …الخ .
ويلاحظ أن هذه المبادرات لا زالت على مستوى الدولة القطرية ولم ترق الى مستوى التعاون الاقليمي العربي أو ما دون الاقليمي ( مجلس التعاون الخليجي و المغرب العربي ) وهي عبارة عن جهود غير منسقة لتحقيق التنمية بأبعادها الانسانية والاقتصادية والاجتماعية .
تعتبر التنمية حق من حقوق الانسان والشعوب ويشكل القانون أداة من الادوات التي لها دور لا يستهان به في تعزيز الحوكمة والدفع قدما بعجلة التنمية لاسيما في البلدان النامية والتي تمر بمراحل انتقال ومنها وطننا العربي الذي يتطلع إلى مستقبل أفضل في عالم يتحول .
إذن هناك علاقة وطيدة بين القانون والتنمية ، ولكن نادرا ما تكون هذه العلاقة محل عناية واهتمام وتشخيص من قبل الباحثين وصناع السياسات العمومية في وطننا العربي وعادة ما يُنظر للقانون وكأن لا علاقة له بالتنمية ويُنظر للتنمية وكأن لا علاقة لها بالقوانين السارية في الدولة .
وانطلاقا من أهمية القانون في المجتمع كونه يستهدف تنظيم سلوك الاشخاص وتحقيق العدالة وسيادة القانون في المجتمع، ومن أهمية التنمية كونها تستهدف زيادة الحصيلة المادية للمجتمع وتحقيق الرفاه الاقتصادي لأفراده ،
واعتبارا لما تشكله بعض العوامل الحاسمة من قبيل الموارد البشرية والثروات الطبيعية والارادة السياسية، من أهمية في تطور البلدان أو تخلفها، فإنه لا ينبغي اغفال التأثير السلبي أو الايجابي
أيضا للسياسات التشريعية المعتمدة في المجال التنموي. فالقوانين قد تكون محفزة للتنمية و قد تكون معيقة ومعطلة لها. وبناء عليه نطرح الاشكالية التالية :
هل يمكن أن تكون القوانين والسياسات التشريعية المنتهجة سببا في اعاقة التنمية وتعطيل نهضة الامم والشعوب ومقاومة التغيير والتجديد العربي ؟ وكيف يمكن أن نجعل من قوانينا وسياساتنا العمومية أداة مساهمة في نهضة وطننا العربي ومواكبة لركب الدول المتقدمة ؟
طالما أن مداخلتنا هذه تحاول اسقاط موضوع علاقة القانون بالتنمية على وطننا العربي فإننا ولاعتبارات منهجية سوف نعالج هذا الموضوع وفق ثلاثة :
- المحور الاول / التحديات والفرص التي يتوفر عليها الوطن العربي: ونتناول فيه معطيات عامة عن التحديات والفرص التي يزخر بها وطننا العربي.
- المحور الثاني / أهداف القانون والتنمية: ونتناول فيه أهداف القانون باعتباره أداة لحماية الحقوق والحريات وتحقيق العدالة في المجتمع والتنمية باعتبارها حق من حقوق الانسان والشعوب التي تساهم في تحقيق الرفاهية والعيش الكريم وصون كرامة الناس .
- المحور الثالث / القانون كمحفز أو معيق للتنمية: ونتناول فيه التأثير الايجابي أو السلبي للقانون على التنمية أو بمعنى آخر متى يكون القانون محفزا للتنمية ومتى يكون معيقا ومعطلا للبرامج والسياسات التنموية.
المحور الأول / الوطن العربي ، التحديات والفـــــرص: يواجه الوطن العربي تحديات مختلفة ويتمتع بفرص وامكانيات هائلة لتحقيق نمو أكبر، قلما توجد في مناطق أخرى من العالم ، نلخص فيما يلي بعضها :
أولا/ التحــــــديات: الاقليم العربي يقع ضمن حزام الاراضي القاحلة والجافة، يعاني من حالة جفاف حادة بسبب طبيعة مناخه الجاف ، 12 دولة منه تعيش تحت خط الفقر المائي من أصل 17 مصنفة على أنها على خط الفقر المائي، أربع دول تعاني اجهادا مائيا، ودولة واحدة فقط تتمتع باكتفاء مائي وهي موريتانيا ، أكثر من 96% من أراضيه غير صالحة للزراعة، فحصة الفرد من الاراضي الزراعية لا تتجاوز 0.18 هكتار( المعدل العالمي يقدر بـ 0.78 أي ما يزيد عن أربعة أضعاف حصة المواطن العربي )، يوجد الوطن العربي في حالة تبعية اقتصادية وغذائية ، حوالي ثلث دوله مصنفة ضمن الدول الاقل نموا في العالم ( 6 من مجموع 22 دولة عربية و46 دولة على المستوى العالمي ) ويتعلق الامر بالدول العربية التالية : السودان – الصومال – جيبوتي – موريتانيا – اليمن و جزر القمر. هذه الدول بها أدنى مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، نصيب الفرد فيها من الدخل القومي الاجمالي أقل من 1018 دولار في السنة وتُسجل درجات متدنية في مؤشرات التغذية والصحة والالتحاق بالمدارس ومهارات القراءة والكتابة ودرجات عالية من الضعف الاقتصادي والبيئي وخطر التعرض للكوارث الطبيعية والصدمات الاقتصادية الخارجية وتغير المناخ . يعاني الوطن العربي من ضعف مستوى التعليم فلا يزال حوالي ربع سكانه يعانون من الامية ، كما يفتقر للبنى التحتية القاعدية المتناسبة مع جغرافيته الممتدة وديمغرافيته المتزايدة ، لاسيما السدود المائية والطرق والمطارات والسكك الحديدية والموانئ والتكنولوجيا الرقمية . يعاني من تدني الخدمات الصحية وارتفاع نسبة البطالة والفقر واستشراء الفساد ، فوفقا لترتيب الدول العربية على مؤشر الفساد لعام 2022 ومن أصل 20 دولة عربية سبع منها مصنفة ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم وهي : لبنان ، العراق ، السودان ، ليبيا ، اليمن ، سورية والصومال . موقعه الجغرافي المتميز وما يتوفر عليه من ثروات طبيعية هائلة وتراث انساني وممر للملاحة البحرية الدولية جعله محل أطماع وتنافس بين الشرق والغرب فكل دوله خضعت للاحتلال والاستعمار الاستيطاني لفترات متباينة وبعضها لا تزال تعاني من مخلفاته إلى اليوم ، ، عدد من دوله تعيش نزاعات مسلحة وعدم استقرار أمني وسياسي، اقتصاد تقليدي يقوم على الزراعة وريوع النفط ، ضعف ملحوظ في مجال التعاون الاقتصادي بين دوله عكس ما هو عليه الحال في التجمعات الاقليمية المجاورة لاسيما الاتحاد الاوروبي، فالتجارة البينية في أدنى مستوياتها ، كما أن جل البلدان العربية تشترط الفيزا لدخول مواطنين عرب اليها مما يجعل السياحة البينية في أضعف مستوياتها مقارنة بغيرها من الاقاليم في العالم، ضعف مناخ الاعمال والاستثمار الاجنبي بسبب غياب الامن القانوني وضعف الممارسة الديمقراطية واستمرار غياب الاستقرار الامني والسياسي في بعض دوله ، يعد من أكبر المناطق في العالم التي تشهد حركة نزوح داخلية باستمرار وحركة لجوء وعبور نحو البلدان المجاورة بسبب الصراعات الاثنية والتطاحن على الحكم ، يعاني من وجود فجوة رقمية كبيرة مقارنة بالتجمعات الاقليمية المجاورة لاسيما أوروبا. بالإضافة الى تداعيات التحديات العالمية في مجالات الامن والاقتصاد وتغير المناخ .
ثانيا/ الفرص: يعتبر الوطن العربي مهدٌ للحضارات الانسانية والاديان السماوية يتمتع بجاذبية اقليمية قلما تمتلكها اقاليم اخرى في العالم بفضل موقعه الجغرافي المتميز، ضمن ملتقى ثلاث قارات، موقع يتيح له امكانية الوصول الى الأسواق الكبيرة ، جغرافيته تقدر بحوالي 13.5 مليون كم2 ما يعادل ثلاث أضعاف مساحة أوروبا ، أما ديمغرافيته فتقارب 450 مليون نسمة ما يعادل نسبة 5 بالمئة من سكان العالم يتكلمون كلهم لغة واحدة، ثلاثة أرباع سكانه من الشباب والاطفال، نسبة كبيرة منهم متعلمون ، دوله تشكل وحدة اقليمية واحدة ، كلها مطلة على البحر. سواحله تقدر بـحوالي 23.000 كلم طولي ، ثلثي دوله مصنفة دولا نامية نصفها تمتلك ثروات طبيعية هائلة ومعادن ثمينة فضلا عن مصادر للطاقة النظيفة والمتجددة . ينتج حولي 60 بالمائة من الانتاج النفطي العالمي ويمتلك أكثر من ثلثي الاحتياطي النفطي العالمي.
المحور الثاني/ أهداف القانون والتنمية: بما أن القانون والتنمية هما موضوع هذه المداخلة نستعرض في هذا المحور أهداف كل من القانون باعتباره أداة لحماية الحقوق والحريات وتحقيق العدالة في المجتمع وأهداف التنمية باعتبارها عملية ديناميكية تساهم في تحقيق أمن واستقرار وازدهار البلدان وتحسين المستوى المعيشي للشعوب ورفاهيتها:
أولا/ أهداف القانون: للقوانين أهداف وغايات تسعى لتحقيقها ويمكن تلخيصها كما يلي:
1- تحقيق الأمن والاستقرار المجتمعي : يهدف القانون الى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال توزيع عادل للثروات وتوفير فرص متساوية للجميع في الحصول على الخدمات الاساسية وتولي الشؤون العامة، مما يساهم في استتباب الأمن وتحقيق الاستقرار المجتمعي باعتبارهما شرطان اساسيان لبلوغ الأهداف الانمائية لكل بلد .
2- تحقيق الاستقرار السياسي: يهدف القانون الى تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم والتداول السلمي على السلطة وتكريس الديمقراطية التشاركية والحكم الراشد وسيادة القانون مما يساهم في تحقيق الاستقرار السياسي الذي يساهم في نهضة البلدان وتطورها .
3- حماية الحقوق والحريات الاساسية: يهدف القانون إلى حماية وتكريس حقوق الانسان وحرياته الاساسية وتحقيق المساواة بين المواطنين والمساواة أمام القانون وتوفير الضمانات القانونية خاصة تلك التي تساهم في اطلاق المبادرات وممارسة الحريات والتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الحقوق المحفزة على الإبداع والابتكار .
4- تحقيق الأمن القانوني: يساهم الامن القانوني بما يوفره من ضمانات واستقرار المعاملات في تحسين بيئة الاعمال التي تعد شرطا لاستقطاب الاستثمارات المنتجة للثروة والمشغلة لليد العاملة والمساهمة في جعل البلد وجهة مفضلة للمستثمرين الاجانب.
ثانيا/ أهداف التنمية: تهدف الى تغيير البنيان الهيكلي للمجتمع بأبعاده المختلفة لتوفير الحياة الكريمة لأفراده. وهي أشمل وأعم من النمو فهي تعني النمو زائد التغيير ، واذا كان مؤشر النمو يقاس بالزيادة في الناتج القومي الاجمالي لفترة طويلة ، فإن مؤشر التنمية عادة ما يقاس بمستوى الرفاه الاقتصادي للمجتمع والذي يتمتع به الأفراد وينعكس ايجابا في تحسين جودة حياتهم ومستوى معيشتهم والتنافسية الاقتصادية وجودة منظومة التعليم والصحة والبيئة .
المحور الثالث / القانون كمحفز أو معيق للتنمية: إن تخلف الامم والدول أو تقدمها تتداخل فيه مجموعة من العوامل يمكن تلخيصها في عاملين رئيسيين :
1- عامل مرتبط بالموارد البشرية والمقدرات المادية و الثروات الطبيعية والمعادن الثمينة التي تعد مؤشرات ومنطلقات أساسية للنمو والاقلاع الاقتصادي .
2- عامل مرتبط بالنظام السياسي والارادة السياسية والقوانين و التشريعات والسياسات المنتهجة التي تعد مؤشرات لقياس مناخ الاعمال والحقوق والحريات والعمل والابتكار والابداع والعدالة الاجتماعية وتحقيق الاهداف الانمائية .
وسوف نركز على العامل الأخير المتعلق بالقوانين والسياسات العمومية وكيف يمكن أن تكون أداة للنمو الاقتصادي والتنمية أو أداة تكرس التخلف والتبعية الاقتصادية وتردي المستوى المعيشي أو بمعنى آخر متى يكون القانون محفزا للتنمية ومتى يكون معيقا ومعطلا للبرامج والسياسات الانمائية . ويتعلق الامر بمجموعة من القوانين التي نلخصها في ثلاثة أصناف رئيسية كما يلي :
1- القوانين ذات الطابع السياسي و الدستوري : وما تكرسه من تحديد لطبيعة نظام الحكم والتداول السلمي على الحكم ومبدأ الفصل بين السلطات وسيادة القانون والمساءلة والوقاية من الفساد ومكافحته والمساواة أمام القانون واستقلالية القضاء والضمانات القانونية والقضائية وقرينة البراءة والعدالة الاجتماعية وغيرها من حقوق الانسان والحريات الاساسية لاسيما حرية الرأي والتعبير والصحافة وتكوين الاحزاب والنقابات والجمعيات والانضمام اليها وحرية التنقل والاجتماع والتظاهر السلمي وحرية الابداع والابتكار… الخ .
2- القوانين ذات الطابع المالي والاقتصادي: وأهمها تلك القوانين المتعلقة بالسياسة المالية والجباية والضرائب والجمارك والتجارة والصناعة والاستثمار والملكية الفكرية والصناعية …الخ .
3- القوانين ذات الطابع الاجتماعي والثقافي: وأهمها قوانين العمل الضمان الاجتماعي والممارسة النقابية والقوانين المكرسة للحق في التعليم والرعاية الصحية والبيئة السليمة والمستوى المعيشي اللائق ….الخ )
و ننوه هنا إلى أن كل البلدان العربية تمتلك منظومة قانونية متكيفة مع هذه الاصناف الثلاثة وجلها قد خطت خطوات معتبرة في سبيل مواءمة تشريعاتها وقوانينها مع القوانين الدولية ، بتصديقها على المعاهدات والاتفاقيات الدولية لاسيما العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
إلا أن الواقع المعيش لا يعكس ذلك، فالترسانة القانونية الموجودة لاسيما تلك المتعلقة بالتنمية، إما أنها عاجزة عن مواكبة ما يشهده العالم من تحولات في مجال الاقتصاد والتكنولوجيا وتنافس وتقاسم المصالح ومناطق النفوذ أو أنها حبيسة أنظمة سياسية وذهنيات لم تتحرر بعد من الايديولوجيا وأنماط التسيير البيروقراطية والاقتصاديات الموجهة والفساد الاداري .
وقد يكون الخلل بنيوي، ناجم عن ضعف الامن القانوني في معظم البلدان العربية ومؤشراته عدم استقرار القواعد القانونية ووجود تضخم تشريعي غير مبرر وقد يكون هناك تضارب وتعارض بين القوانين وأحيانا يكون القانون موجود لكن النصوص التطبيقية واللوائح التنظيمية عادة ما يتأخر اصدارها .
وقد تحمل القوانين قيودا تحد من الحرية الاقتصادية بإخضاع ممارسة بعض النشاطات الاقتصادية لقيود غير ذات جدوى وأحيانا غير مبررة أو أن تسبب ضررا أكثر من تحقيق منفعة ، وهذا من خلال اشتراط الحصول على تراخيص وتصاريح مسبقة وتحقيقات ادارية بيروقراطية قبل مزاولة الأنشطة الاستثمارية ، مما يشجع على استشراء الفساد الاداري والمالي ويؤدي الى زعزعة ثقة المواطن في الدولة ولاسيما في مجالات الاستثمار الوطني والاجنبي والسياحة الدولية وحركة تنقل الاشخاص والاموال من والى البلد.
وقد يساهم التفسير الضيق للقوانين من قبل سلطات انفاذها باختلاق معوقات عادة ما يتم تبريرها على أنها قانونية، في تعطيل المصالح العامة والخاصة وتمييع الدولة وزيادة حدة التحديات وخلق مقاومة للتغيير والتطوير وبيئة غير مناسبة للعمل ومناخ طارد للاستثمار وتدفقات رؤوس الاموال المنتجة للثروة و المساهمة في الفعل التنموي .
ومهما بدا أن الاطار التشريعي في بلد ما متطابق مع المعايير الدولية ، يظل القانون غير فعال بسبب ضعف التنفيذ .
هذا الوضع من شأنه أن يحد من نجاعة التشريعات وعدم الاستفادة منها وفي كثير من الأحيان قد يشكل عائقا يعيق التنمية بأبعادها الانسانية والاقتصادية والاجتماعية .
خاتمة: نستعرض فيما يلي بعض الاقتراحات التي يمكن أن تساهم في التأسيس لمشروع عربي ينطلق من تكريس مبدأ الامن القانوني وفكرة والتعاون الاقتصادي والتنمية:
1- التعاون مع المنظمة الدولية لقانون التنمية من أجل وضع تقنين عربي نموذجي للتنمية، يتضمن قواعد قانونية متطابقة مع المعايير الدولية يمكن للبلدان العربية الاسترشاد به عند اعداد القوانين المتعلقة بالسياسات التنموية والاستثمار.
2- تكييف المنظومة القانونية للدول العربية بما يسمح باستثمار الجاذبية التي يتمتع بها الاقليم العربي واستغلال موقعه الجغرافي المتميز بتحويله الى وجهة مفضلة للاستثمار وتدفق رؤوس الاموال من أجل تحقيق النمو الاقتصادي والانتقال إلى مصاف البلدان المتطورة ، وعدم الاتكال على الموارد الطبيعية لاسيما النفط والغاز باعتبارها ثروات غير متجددة .
3- تيسير حركة تنقل الاشخاص والبضائع بين الاقطار العربية وتحسين مناخ الاعمال والاستثمار واشراك القطاع الخاص بما يمتلكه من رؤوس أموال وخبرة وتكنولوجيا وقوة تنافسية للإسهام في الجهد التنموي وانشاء سوق عربية مشتركة لتشجيع التجارة البينية .
4- ادماج كافة التشريعات المتعلقة بالتنمية والاستثمار في قانون واحد لتسهيل الوصول إليه وانفاذه وانشاء مؤسسات مستقلة تتولى متابعة تنفيذ هذه التشريعات.
5- تأهيل التشريعات والسياسة التشريعية بما يضمن الامن القانوني والحوكمة وسيادة القانون والمساءلة والشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته .
6- اعطاء الاولوية في تولي الوظائف العامة وادارة المرافق العمومية المناط بها تنفيذ السياسات والاهداف الانمائية ، لمن يستوفون معايير الكفاءة والاستحقاق واحترام حقوق الانسان .
7- تسخير قوة العلم والتكنولوجيا والابتكار لمواجهة مواطن الضعف متعددة الأبعاد وتحقيق أهـداف التنمية المستدامة .
تحميل كلمة الكتور محمد عبيدي
الحلقة النقاشية – 21 يونيو 2023
احتفالية الذكرى الرابعةالحلقة الثانية ''المشروع العربي فرص ومبادئ وتحديات''
Posted by Global Institute for Arabic Renewal on Wednesday, June 21, 2023
الطاولة المستديرة – 22 يونيو 2023
احتفالية الذكرى الرابعةنظرة في البعد الفلسفي والديني
Posted by Global Institute for Arabic Renewal on Thursday, June 22, 2023
الأمسية الفنية والثقافية – 23 يونيو 2023
احتفالية الذكرى الرابعةالحلقة الرابعة (المشروع العربي – فرص ومبادئ وتحديات … أمسية فنية وثقافية)
Posted by Global Institute for Arabic Renewal on Friday, June 23, 2023
قصيدة الدكتور زاهر حنني
- رئيس وحدة الدراسات اللغوية والأدبية
- شاعر – فلسطين
هذه منظومة ثكلى بهـمٍّ رمل الأبحر يروي الأرجوانــــــــــا مستفز وقعهـــريع فهلموا للذي تروي أنانــــــــــــــــــــــا كان يا ما كان يا صحبي وكانـــــا في ربوع زانها الله افتتانـا وطن يدعى بلادي من محيــط لخليج نوره غطى المكانــا دخل العصر الموشى بالأماني سوحَ فكر، بينما كان عَوانا ضاع في أمواج غرب هائجـات ورياحُ الشرقِ تغزو محتوانــا صار معنانا (خطيةْ)، بين حانا بين مانا، إخوتي، ضاعت لحانــا نفرٌ منا تداعَوا، واستطاعـوا أن يقولوا (نحن) لسنا كسواـا قادهم قبطانُ فكرٍ مرشـــديٌّ، وخضيرٌ لا يرى إلا عُلانـــــــا حوله جمع غفير شدهم عــــــــــزم وفكر، أمتي تأبى الهوانـا منهم كانت سميرة وهي صــحقِ، كي نعلو، فما لانت ولانـا ظل فينـا الرمضاني هاديا مســــتشرف المستقبلاتِ، مبتغانـا وتداعى شاهد يدنو ويزجـي مرتجانا، وعلي الحرجان كانــــا | يا لإلهام اللطيفي، وحضــور مائز، إذ ما لها همٌّ سوانـــــــا تحفر المعنى زهية وهي تعلو في سماء الفكر، مجدا لا يدانى بنت محجوب تداعت وهي ترجو من حنين وردة المعنى حنانا لست أنسى آل عملة كل فخر آل كموني لقد كنتم رجانـــــا ومضى إلفٌ لإلفٍ هاديـــا نحمل المعنى إلى المعنى عَيانا ليتني أسطيع ذكر الحاضرينـا كل من فينا يقود مرتجانـــــــا جَمَّعَتْنَا فكرة التجديد في مدريـــــد، واللهَ استعنا، فاصطفــانا وانطلقنا في حوار دائم حــــــــــــتى أتينا تونس الخضرا هُدانــا ها هنا ميثاقَنا الفكريَّ صِغنــا وإلى وحداتنا صرنا بيانــــــــا وانضوى تحت اللوى قادات فكر رائد يربو على ألف تدانــــى واختلفنا، واتفقنا، ثم قادتــــــــنا حوارات وكانت مبتغانــــــا واختلاف الرأي لم يفسد لنا ودا ولم يضلل هدانا أو خطانــــــا عالمي الأفق، حيٌّ يعربـــــيٌ نبضُ حبٍ ظل يجري في دمانـا |
تحميل القصيدة
قصيدة الدكتور محمد المحاولي
- عضو المعهد العالمي للتجديد العربي
- رئيس اذاعة الرشيد سابقاً- العراق
حزمة من نور تسكن في ضمير… جبل ينهض ما بين الركام… واحة خضراء تزهو في يديهِ… زرعوا في قلبها عود ثقاب…. انه العود الذي يحرق غابه… من هنا اتت الكآبه… لا غرابه… بذرة في رحمها كان الوليد…. وبساط الريح ينهض من جديد.. وبكفِّ الجمر قد ذاب الجليد… ياسبات الارض من يوقظ من… اتموت الشمس من بين الكواكب… دخل التنين قصر المرضعات… وتهاوت في الدجى كل العروش.. واستفاقت نجمة التجديد حبلى بالسنابل.. بالورود.. بالندى… بالاقحوان.. نجمة تكبر فينا وتغذينا لتصبح قمرا… ابهر الشريان مدرارا بهيا… | فاق بالنبض وبالصوت صداه… لغة التجديد شدّت ازره.. حاملا في نهجه سرَّ الخلود… كيف لا ينمو وفي الارض جذور… وعلى اسواره شلال نور… شجر اللبلاب يسمو… تتدلى في الفضا اجراسه… كيف للثَيِلِ لا يمتد في خصب التراب… امنحوني زمنا انهض فيه… أمضغ الصبر بثوب الغرباء… أصنع الماء زلالا من سراب… اجعل الحرفَ كتاب… انا لا اهوى الرزايا والضباب… انا من يعطي الجواب… معهد التجديد يختزل الطريق.. حزمة من ضوء تسكن في الضمير |
تحميل القصيدة
قصيدة الدكتور عادل الشرقي
- عضو المعهد العالمي للتجديد العربي
- شاعر- العراق
صرحٌ به تتوهجُ الأضـــواءُ وبسفـره تتسربــــلُ العليــاء صرحٌ منيفٌ شاهقٌ بفضائه يتجمع العلماء والفقهــــــــاء يتسلقون الأفق في خطواتهم وبنورهم تتبدد الظلمــــــــاءُ ركبوا على ظهر الزَّمانِ وكلما صعدوا رأيتَ العاليات تُضاءُ وكأنَّ أعمدةَ المعارفِ أومضتْ فيهم وشعَّت في الذرى الأسماءُ فترى بن سينا ماشياً بركابِهم وترى بنَ رُشدٍ يعتريهِ بهاءُ وترى بن باجةَ مشرقاً بعيونهم يهمي عليهـــــم نُــورهُ الوضّاءُ وترى الخوارزميَّ بينَ صفوفهم وقد احتفتْ بقدومــهِ الأبنــــــاءُ السامقــــونَ جميعُهم قد أقبلــوا برجالِ معهدنـــا المُبجَّـلِ جاؤا جاؤوا وقد لبسوا الحداثةَ قامة وبفكرهــــــــــم تتجـددُ الآراءُ رسموا على صدر المدى بصَماتِهم وهُناكَ في قِممِ الجِّبـــــــالِ أضاءوا أهدى مَسلَّتَـــــهُ وقــامَ لجمعهِـــــم فَرِحاً حمورابي ففــاضَ المــــــاءُ واخضرَّ في الأرضِ الثَّرى وترقرقتْ مثلَ الغَمـــامِ الصَّخرةُ الصَّمّــــــاءُ المَعهَـدُ العملاقُ نخـــلٌ باســــقٌ والآخرونَ الواحـــــــةُ الخضراءُ وعلى جبينِ المُرشــــديِّ تلألأتْ شُهـــبٌ يَخافُ وميضَهـا الجُّهلاءُ المَعهدُ المُكتظُّ في قاماتِـــــــــــــهِ | ركبَ المَـــدى فُرسانُهُ النُّجبــــاءُ صاروا سِراجاً يُستضـاءُ بنـــورهِ وبِفِكرِهِـــــــم تتجدَّدُ الأشيــــــــاءُ ولكم توارى الليلُ فرطَ سُطوعهِم وأصابـهُ فرطَ السَّنـــا الإغمـــــاءُ العَنكبوتيون ليس لخيطِـهِـــــــــم في أرِض مَعهَــدنا يُشـــادُ بِنـــاءُ يتسلقـونَ من الظلامِ ظلالـــــــــهُ كي ما تعمَّ قلوبَنـــــا البَغضـــــاءُ وهنا أنا أعني البُغاة وفِكرَهُـــــم إذ هكـذا يتسلّـــــَلُ الأعـــــــــداءُ كُلُّ المنافذِ أوصِدتْ أبوابُهـــــــــا لا ينفعُ التدليـــسُ والإغـــــــــواءُ المعهدُ الميمونُ يُطعِــمُ نفسَــــــــهُ ويَصونُ عِفَّـــةَ بيتـــــهِ الشُّرفـــاءُ حملوا قناديلَ الرُّؤى بأكُفِّهِــــــــم يحوي النُّفوسَ من العلـــومِ ثـراءُ قالوا سنفتحُ في الجدارِ منافـــذاً للضَّــوءِ تكثــــرُ عٍنــدها الآلاءُ جِئنـا لنفتــحَ كُلَّ بـابٍ موصــــدٍ ليُنـيبَ عـن أصدائِهــا الإيحـــاءُ ونَبثَّ في البيتِ القديم أهِلَّــــــةً أخرى يَفكُّ رموزَها الإيمــــــاءُ ونجيءَ بالمستقبلاتِ لأفقِنــــــــا لتفــوحَ مِنهــا بيننــــا الأشــــذاءُ سُمرٌ حضاريّونَ في أحداقِهِـــــم أرضٌ تَمُـدُّ بِساطَهـــا وسَمــــــاءُ إنّا سرينـــا في المَدى ومن اعتلى ظهرَ المَدى يَحلـــــو لهُ الإســراءُ |