وحدة الدراسات الانثروبولوجيةالسيّدات والسادة أعضاء المعهد الأعزاء.. ندعوكُم لحضور الندوة الفكريّة التي تعقدها وحدة الدراسات الانثروبولوجية على تطبيق زووم الزمان: الاربعاء : 29- 03 – 2023 الساعة التاسعة مساء بتوقيت غرينتش بإمكانكم الدخول، عبر الرابط التالي https://us06web.zoom.us/j/95341492516
Posted by Global Institute for Arabic Renewal on Wednesday, March 29, 2023
تقرير ندوة
”الدّولة الحديثة من منظور أنثروبولوجي”
عقدت وحدة الدّراسات الأنثروبولوجية في المعهد العالمي للتّجديد العربيّ الأربعاء 29/03/2023 ندوة علميّة ضمن فعالياّت الوحدة تحت عنوان ”الدّولة الحديثة من منظور أنثروبولوجي”، أدارها نائب رئيس الوحدة الأستاذ الدّكتور بن لباد الغالي، أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة تامنراست –الجزائر.
قدّم الدّكتور مبروك بوطقوقة المحاضرة الرّئيسة، حول المفهوم الأنثروبولوجي للدّولة الحديثة، توافقا مع موضوع المواطنة والدّولة الذي طرحه المعهد في مؤتمره العلمي الثاني (2-5 فبراير 2023)، وموضوع الدّولة ناقشه العديد من الباحثين والمفكّرين في العلوم السّياسية، ولكن ما الذي يمكن أن تضيفه الأنثروبولوجيا في هذا المجال؟
وفي الختام تمّ التّأكيد على أنّ مقاربة العلوم السّياسية التي تحتكر موضوع الدّولة هي مقاربة شكليّة، تركّز فقط على شكل الدّولة وأنواعها ووظائف الدّولة دون الغوص في عمق الآليّات التي تعمل بها الدّولة في المجتمع. ولعلّ الأنثروبولوجيا تساعدنا على فهم أفضل لكيفيّة ظهور الدّولة ومبرّرات وجودها وهل تعتبر الدّولة هي الطريقة الوحيدة لإدارة الشّأن السّياسي؟
ولفهم موضوع الدّولة باعتبارها ظاهرة اجتماعيّة معقّدة نركز في حديثنا على أفكار النّظريات الأنثروبولوجيّة المعاصرة :
1-المدرسة التّطوّرية: نذكر منه أعمال أون إيمايل البريطانيّ في كتابه القانون القديم للمجتمعات التي تبنى على مكانة أساسها رابطة القرابة، ومجتمعات تبنى على التّعاقد والعقد الاجتماعيّ، ثم تبنّاها مورغان لويس في دراسته للهنود وقال إنّ المجتمعات Sociétas وأخرى مبنيّة على القرابة والعشيرة، sovitasوهي المجتمعات المبنيّة على أساس الوحدة التّرابية التي تكون معقّدة.
ويمكن أن نضع تايلور في مرحلة الحضارة وهي أرقى نظام اجتماعي للشّأن السّياسي الذي وصل إليه الإنسان.
2-المدرسة البنائيّة (البريطانيّة): مالينوفسكي، إيفانس برتشر الذي درست قبائل النّوير في السّودان ترى أنّ الدّولة هي جهاز لخدمة وظيفة محدّدة في المجتمع.
3-المدرسة الماركسيّة: تعتبر الدّولة إحدى أدوات السّيطرة الطّبقيّة التي تخدم مصالح الطّبقة الحاكمة.
4-مدرسة الإيكولوجيا السّياسية: ترى أنّ الدّولة نتاج التّفاعل بين القوى الاجتماعية والنّظم البيئيّة.
5-المدرسة النّقديّة لفكرة الدّولة (مابعد الكولونياليّة): ترى أنّ الدّولة نتاج لصراع القوى السّياسية والتّاريخية التي تشكّلت مع الأستعمار.
وقد شارك في النّدوة عدد من المتخصّصين والمهتمّين بالدّراسات الاجتماعيّة والأنثروبولوجيّة، من خلال مداخلات وتساؤلات في محاور المحاضرة والتّعقيبات التي تلتها.
مداخلة الدكتور مبروك بوطقوقة
الدّولة الحديثة من منظور أنثروبولوجي
- أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة باتنة 1 (الجزائر)
- منسق فرع الجزائر للمعهد العالمي للتجديد العربي (مدريد)
- المشرف العام لمركز فاعلون للبحث في الأنثروبولوجيا والعلوم الانسانية والاجتماعية (الجزائر)
الدولة الحديثة هي مؤسسة اجتماعية معقدة لعبت دوراً مركزياً في تشكيل المجتمع البشري عبر التاريخ. إنها نتاج قوى اجتماعية وثقافية وسياسية، وتعكس قيم ومعتقدات ومصالح أولئك الذين يخلقونها ويحافظون عليها. إن فهم طبيعة الدولة وعلاقتها بالمجتمع أمر ضروري لأي شخص يسعى إلى فهم العالم من حولنا.
لماذا ندرس الدولة في الأنثروبولوجيا
هناك عدة أسباب وراء دراسة علماء الأنثروبولوجيا للدولة. أولا، الدولة هي مؤسسة مركزية تلعب دورا هاما في تشكيل حياة وتجارب الناس في جميع أنحاء العالم. من خلال دراسة الدولة، يمكن لعلماء الأنثروبولوجيا اكتساب نظرة ثاقبة حول الطرق التي تعمل بها القوة والسلطة والحكم في المجتمعات والثقافات المختلفة. ثانيا، الدولة مفهوم متنازع عليه خضع لتفسيرات ومعاني مختلفة. من خلال دراسة الدولة، يمكن لعلماء الأنثروبولوجيا المساهمة في المناقشات حول طبيعة ودور الدولة في المجتمعات المعاصرة. وأخيرا، تعد الدولة مؤسسة مهمة تشكل العلاقات والممارسات الاجتماعية، بما في ذلك الممارسات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. من خلال دراسة الدولة، يمكن لعلماء الأنثروبولوجيا اكتساب نظرة ثاقبة على الديناميات المعقدة التي تشكل الحياة الاجتماعية والطرق التي تتفاعل بها المؤسسات والجهات الفاعلة المختلفة مع بعضها البعض.
نشوء الدولة
صعود الدولة هو عملية تاريخية معقدة خضعت لتفسيرات ومناقشات مختلفة. اهتم علماء الأنثروبولوجيا بفهم كيفية ظهور الدولة وتطورها في أجزاء مختلفة من العالم. هناك العديد من النظريات التي تفسر صعود الدولة، بما في ذلك نظرية الحرب والنظرية الاقتصادية. تجادل نظرية الحرب بأن الدولة ظهرت في المناطق التي كانت فيها الحرب سمة مهيمنة على الحياة الاجتماعية، وكانت هناك حاجة إلى سلطة مركزية لحماية الناس والموارد. تجادل النظرية الاقتصادية بأن الدولة ظهرت في المناطق التي كانت تتوسع فيها التجارة والتبادل التجاري، وكانت هناك حاجة إلى سلطة مركزية لتنظيم النشاط الاقتصادي وحماية الملكية الخاصة.
الدولة في النظريات الأنثروبولوجية
1- النظرية التطورية:
التطورية منظور نظري في الأنثروبولوجيا ينظر إلى المجتمعات البشرية على أنها تتقدم عبر سلسلة من المراحل التطورية. من هذا المنظور، ينظر إلى الدولة على أنها أعلى مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي والسياسي، وتمثل قمة الإنجاز البشري.
وفقا لنظرية التطور، تنشأ الدولة من الحاجة إلى تنظيم الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية واسعة النطاق. ومع ازدياد تعقيد المجتمعات ونمو سكانها، تصبح الحاجة إلى السلطة المركزية والحكم أكثر إلحاحا. وينظر إلى الدولة على أنها التعبير النهائي عن هذه الحاجة إلى السيطرة المركزية، مع بيروقراطية منظمة للغاية واحتكار الاستخدام المشروع للقوة.
جادل منتقدو منظور التطور بأنه يتجاهل الطرق التي يمكن للدولة من خلالها إدامة عدم المساواة الاجتماعية وتعزيز اختلال توازن القوى. كما يجادلون بأن النموذج التطوري للتنمية الاجتماعية مبسط ويفشل في تفسير الطبيعة المعقدة والديناميكية للمجتمعات البشرية.
على الرغم من هذه الانتقادات، كان لمنظور التطور تأثير كبير على دراسة الدولة في الأنثروبولوجيا. وقد شكلت المناقشات حول دور الدولة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وساعدت على تسليط الضوء على أهمية السلطة المركزية والحكم في المجتمعات البشرية.
2- الوظيفية البنائية:
هي منظور نظري في الأنثروبولوجيا ينظر إلى المجتمع على أنه نظام معقد يتكون من أجزاء مترابطة تعمل معا للحفاظ على النظام الاجتماعي والاستقرار. من هذا المنظور، ينظر إلى الدولة على أنها مؤسسة ضرورية وعقلانية تلعب دورا حاسما في الحفاظ على النظام الاجتماعي وتنظيم توزيع الموارد.
وفقا للوظيفية البنائية، تخدم الدولة العديد من الوظائف الرئيسية في المجتمع. وتتمثل إحدى وظائفها الأساسية في توفير الخدمات الأساسية مثل الأمن والعدالة والبنية التحتية الضرورية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. الدولة مسؤولة أيضا عن تنظيم النشاط الاقتصادي وتوزيع الموارد لضمان تلبية الاحتياجات الأساسية وتقليل عدم المساواة الاجتماعية إلى الحد الأدنى.
بالإضافة إلى ذلك، ينظر الوظيفيون البنائيون إلى الدولة كمؤسسة مستقرة وعقلانية قادرة على تحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة وحل النزاعات من خلال أنظمة الحكم والقانون الرسمية. وهم يجادلون بأن الدولة قادرة على الحفاظ على النظام والاستقرار الاجتماعيين من خلال توفير قواعد وأنظمة واضحة، وفرض الأعراف والقيم الاجتماعية، وضمان مساءلة الأفراد والجماعات عن أفعالهم.
بشكل عام، يرى المنظور البنائي الوظيفي الدولة كمؤسسة ضرورية ومفيدة توفر الخدمات الأساسية وتحافظ على النظام الاجتماعي. وفي حين تم انتقاد هذا المنظور لتجاهله اختلال توازن القوى والطرق التي يمكن للدولة من خلالها إدامة عدم المساواة الاجتماعية، إلا أنه كان مؤثرا في تشكيل المناقشات حول دور الدولة في التنمية والحوكمة.
3- الايكولوجيا السياسية:
هي منظور نظري في الأنثروبولوجيا يركز على الطرق التي تتشابك بها السلطة والسياسة والبيئة. ومن هذا المنظور، ينظر إلى الدولة على أنها جهة فاعلة رئيسية في تشكيل السياسات والممارسات البيئية، وفي التوسط في النزاعات على الموارد الطبيعية.
يجادل منظرو البيئة السياسية بأن الدولة تلعب دورا مركزيا في تنظيم الوصول إلى الموارد الطبيعية والسيطرة عليها مثل الأراضي والمياه والغابات. وهي تسلط الضوء على الطرق التي يمكن بها لسياسات الدولة وممارساتها إما أن تعزز أو تقوض الاستدامة البيئية والعدالة الاجتماعية، وتدرس كيف تتأثر المجموعات المختلفة بهذه السياسات والممارسات.
في نظرية الايكولوجيا السياسية، لا ينظر إلى الدولة على أنها مؤسسة محايدة أو غير متحيزة، بل كموقع للنزاع والتفاوض. يدرس علماء البيئة السياسية الطرق التي تتفاعل بها المجموعات المختلفة، مثل مجتمعات السكان الأصليين والمزارعين الريفيين والشركات متعددة الجنسيات، مع الدولة من أجل التأثير على السياسات والممارسات البيئية. كما يقومون بتحليل ديناميكيات القوة التي تشكل هذه التفاعلات، والطرق التي تستطيع بها المجموعات المختلفة تعبئة الموارد والتأثير على عمليات صنع القرار.
بشكل عام، يجادل منظرو الايكولوجيا السياسية بأن الدولة هي جهة فاعلة رئيسية في تشكيل السياسات والممارسات البيئية، وأنها تلعب دورا حاسما في التوسط في النزاعات على الموارد الطبيعية. ويؤكدون على أهمية فهم ديناميات القوة التي تشكل هذه التفاعلات، والطرق التي تستطيع بها المجموعات المختلفة التأثير على عمليات صنع القرار البيئي.
جادل منتقدو الايكولوجيا السياسية بأنها يمكن أن تركز بشكل مفرط على ديناميكيات القوة ويمكن أن تهمل أهمية العلوم والمعرفة البيئية في تشكيل السياسات والممارسات البيئية. ومع ذلك، كانت البيئة السياسية مؤثرة في تسليط الضوء على العلاقات المعقدة بين السلطة والسياسة والبيئة، وفي التأكيد على أهمية العدالة الاجتماعية والاستدامة في عمليات صنع القرار البيئي.
4- نظرية ما بعد الاستعمار:
هي منظور نظري في الأنثروبولوجيا يركز على إرث الاستعمار والإمبريالية وتأثيره على المجتمعات المعاصرة. من هذا المنظور، ينظر إلى الدولة على أنها نتاج الاستعمار، وينظر إلى هياكلها وممارساتها على أنها تعكس إرث الهيمنة الاستعمارية والاستغلال.
يجادل منظرو ما بعد الاستعمار بأن الدولة هي موقع للنزاع المستمر، حيث تسعى مجموعات مختلفة إلى تحدي وتحويل هياكل السلطة والهيمنة الموروثة من الفترة الاستعمارية. وهي تسلط الضوء على الطرق التي تتورط بها الدولة في إعادة إنتاج عدم المساواة والظلم، وتدعو إلى إنهاء استعمار مؤسسات الدولة وممارساتها.
يدرس منظرو ما بعد الاستعمار أيضا الطرق التي تتأثر بها المجموعات المختلفة، مثل مجتمعات السكان الأصليين والأقليات العرقية والنساء، بسياسات الدولة وممارساتها، ويؤكدون على أهمية دمج هذه المجموعات في عمليات صنع القرار. وهي تدعو إلى اتباع نهج أكثر تشاركية وشمولا للحكم، نهج يعترف بتنوع وجهات النظر والخبرات داخل المجتمع.
بشكل عام، توفر نظرية ما بعد الاستعمار منظورا نقديا للدولة، وتسلط الضوء على الطرق التي تتشكل بها من خلال الموروثات التاريخية للاستعمار والإمبريالية، وتؤكد على أهمية تحدي وتحويل هياكل السلطة والهيمنة في المجتمعات المعاصرة. كانت نظرية ما بعد الاستعمار مؤثرة في تشكيل المناقشات حول قضايا مثل العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والتحول الديمقراطي، ولا تزال توفر إطارا نظريا مهما لفهم العلاقات المعقدة بين الدولة والمجتمع والتاريخ.
أحد أهم الانتقادات الموجهة للدولة من منظور ما بعد الاستعمار هو أنها فرضت على المجتمعات المستعمرة من قبل القوى الاستعمارية الأوروبية. رأت القوى الاستعمارية أن الدولة هي الشكل المثالي للحكم، والتي أدخلتها بعد ذلك في المجتمعات التي استعمرتها. ومع ذلك، لم تعكس هذه الدول بالضرورة هياكل السلطة القائمة والتقاليد الثقافية والمنظمات الاجتماعية لتلك المجتمعات. نتيجة لذلك، أدى فرض الدولة في كثير من الأحيان إلى الصراع والمقاومة والاغتراب بين الشعوب المستعمرة.
في نظرية ما بعد الاستعمار، ينظر إلى الدولة على أنها نتاج الاستعمار الغربي والإمبريالية. يجادل علماء ما بعد الاستعمار بأن الدولة ليست مؤسسة محايدة، بل هي أداة هيمنة تستخدمها الطبقة الحاكمة للحفاظ على سلطتها وسيطرتها على الجماهير. وهم يجادلون بأن الدولة تخدم مصالح النخب وليس مصالح الشعب، وأنها تديم عدم المساواة والتسلسل الهرمي الاجتماعي.
أحد الاهتمامات الرئيسية لمنظري ما بعد الاستعمار هو الطريقة التي تفرض بها الدولة سلطتها على الشعوب المستعمرة. وهم يجادلون بأن الدولة تعمل من خلال آليات مختلفة، بما في ذلك النظام القانوني والجيش والشرطة، لفرض سلطتها وسيطرتها. وهذا يؤدي إلى قمع المعارضة وانتهاك حقوق الإنسان.
انتقاد آخر للدولة من منظور ما بعد الاستعمار هو الطريقة التي استخدمت بها لخلق وإدامة الهويات الوطنية. يجادل منظرو ما بعد الاستعمار بأن مفهوم الدولة القومية هو بناء غربي، وأن فرضه على المجتمعات المستعمرة أدى إلى محو الهويات والتقاليد الثقافية الموجودة مسبقا. وهم يجادلون بأن الدولة القومية تخلق إحساسا زائفا بالوحدة بين مجموعات متنوعة وتديم ثقافة متجانسة ومهيمنة.
وأخيرا، ينتقد علماء ما بعد الاستعمار الدولة لدورها في إدامة التفاوتات الاقتصادية. يجادلون بأن الدولة قد استخدمت لفرض السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي تعطي الأولوية لمصالح الشمال العالمي والشركات متعددة الجنسيات على مصالح الجنوب العالمي. وقد أدى ذلك إلى استغلال الموارد، وتهميش الاقتصادات المحلية، وإدامة الفقر والتخلف.
بيير كلاستر ونقد النظرة الغربية للدولة:
بيير كلاستر عالم أنثروبولوجيا فرنسيي قدم مساهمات كبيرة في دراسة السلطة والسياسة في مجتمعات السكان الأصليين. ولد عام 1934 وتوفي عام 1977.
اشتهر كلاستر بعمله في التنظيم السياسي لشعب غواياكي في باراغواي، وأفكاره حول العلاقة بين السلطة والدولة. في كتابه “مجتمع ضد الدولة” (1974)، جادل كلاستر بأن مجتمعات السكان الأصليين قاومت تاريخيا ظهور سلطة الدولة المركزية، وطورت أشكالا من التنظيم الاجتماعي تقوم على مبادئ المساواة والاستقلالية والديمقراطية المباشرة.
تحدى كلاستر الافتراض القائل بأن الدولة هي سمة ضرورية وحتمية للمجتمعات البشرية، وجادل بأن الدولة تمثل شكلا من أشكال العنف المؤسسي والهيمنة الغريبة عن قيم وتقاليد العديد من ثقافات السكان الأصليين. ورأى أن مجتمعات السكان الأصليين تقدم نماذج بديلة للتنظيم الاجتماعي تؤكد على صنع القرار الجماعي والمساواة واحترام استقلالية الأفراد والمجتمعات.
يعتقد كلاستر أن مجتمعات السكان الأصليين قاومت تاريخيا ظهور الدولة، وطورت أشكالا بديلة من التنظيم الاجتماعي تقوم على الديمقراطية المباشرة وصنع القرار الجماعي واحترام الاستقلال الفردي والمجتمعي. ورأى أن هذه المجتمعات تقدم نماذج بديلة للسياسة والتنظيم الاجتماعي تتحدى النظرة الغربية للدولة كمؤسسة ضرورية وعالمية.
بشكل عام، استند نقد كلاستر للنظرة الغربية للدولة إلى اعتقاده بأن الدولة تمثل تجربة تاريخية وثقافية خاصة، وأن هناك أشكالا بديلة للتنظيم السياسي تقوم على مبادئ المساواة والاستقلالية والديمقراطية المباشرة. يستمر عمله في إلهام العلماء والناشطين المهتمين باستكشاف أشكال بديلة للسياسة ومقاومة سلطة الدولة.
كان عمل كلاستر مؤثرا في تشكيل المناقشات حول طبيعة السلطة والدولة، وساهم في تطوير الأناركية وغيرها من أشكال السياسة الراديكالية. كانت أفكاره أيضا مثيرة للجدل، وتعرضت لانتقادات من بعض علماء الأنثروبولوجيا الذين يجادلون بأن نظرته إلى مجتمعات السكان الأصليين مثالية ورومانسية. ومع ذلك، لا يزال كلاستر شخصية مهمة في تاريخ الأنثروبولوجيا، ولا يزال عمله يلهم العلماء والناشطين المهتمين بأشكال بديلة من التنظيم السياسي ومقاومة سلطة الدولة.
الدولة العربية الحديثة
قبل وصول القوى الاستعمارية الأوروبية، كان العالم العربي يحكمه إمبراطوريات مختلفة، مثل الإمبراطورية العثمانية، التي حكمت الكثير من المنطقة لعدة قرون. كان لهذه الإمبراطوريات أنظمتها الخاصة للحكم والهياكل الإدارية، والتي يمكن اعتبارها أشكالا مبكرة للدولة الحديثة.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل تأثير الاستعمار. قسمت القوى الاستعمارية الأوروبية، مثل فرنسا وبريطانيا، العالم العربي إلى مناطق مختلفة وفرضت أنظمتها السياسية وحدودها وهياكلها الإدارية. كان لهذا تأثير دائم على المنطقة، حيث دعمت القوى الاستعمارية في كثير من الأحيان القادة الاستبداديين الذين حكموا بقبضة من حديد وقمعوا أي معارضة.
بعد حصولها على الاستقلال عن القوى الاستعمارية، سعت العديد من الدول العربية إلى إنشاء دولها القومية الحديثة. ومع ذلك، لم يكن هذا ناجحا دائما، حيث كافحت الحكومات الجديدة في كثير من الأحيان لتحقيق التوازن بين العناصر التقليدية والحديثة في حكمها. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت العوامل الخارجية مثل تدخل القوى الأجنبية والاعتماد الاقتصادي على الدول الغربية في التحديات التي تواجهها الدول العربية في إقامة حكم مستقر وفعال.
في السنوات الأخيرة، كان هناك وعي متزايد بين بعض المثقفين العرب بالحاجة إلى إعادة النظر في الأشكال التقليدية للحكم ودمجها في هياكل الدولة الحديثة. وهذا ينطوي على الاعتراف بأهمية العادات والتقاليد المحلية، فضلا عن الابتعاد عن الاستبداد والاتجاه نحو أشكال أكثر ديمقراطية من الحكم.
في الختام، صحيح أن الاستعمار كان له تأثير كبير على تطور الدولة العربية الحديثة، فمن المهم الاعتراف بأن مفهوم الدولة موجود في المنطقة منذ قرون. إن التحديات التي تواجهها الدول العربية في إقامة حكم مستقر وفعال معقدة ومتعددة الأوجه، وتتطلب فهما دقيقا لكل من أشكال الحكم التقليدية والحديثة.
خاتمة
في الختام، كان علماء الأنثروبولوجيا يدرسون الدولة لأكثر من قرن، ويحاولون فهم أصولها ووظائفها وتأثيراتها على المجتمع. تُعرَّف الدولة عمومًا على أنها منظمة سياسية مركزية تمارس السلطة على إقليم محدد وسكان محددين. ومع ذلك، فقد تحدى علماء الأنثروبولوجيا هذا التعريف، بحجة أنه ضيق للغاية ويفشل في التقاط تعقيد سلطة الدولة. تتعلق إحدى المناقشات الرئيسية في النظريات الأنثروبولوجية للدولة بأصولها. جادل بعض العلماء بأن الدولة هي تطور طبيعي ظهر حيث أصبحت المجتمعات أكثر تعقيدًا وتحتاج إلى أشكال مركزية من الحكم لإدارة الأدوار الاجتماعية والأنشطة الاقتصادية المتخصصة بشكل متزايد. جادل آخرون بأن الدولة هي نتاج طوارئ تاريخية، تشكلها ظروف ثقافية واقتصادية وسياسية محددة تختلف عبر الزمان والمكان.
قضية أخرى مهمة هي العلاقة بين الدولة والمجتمع. أظهر علماء الأنثروبولوجيا أن الدولة ليست كيانًا متجانسًا ولكنها شبكة معقدة من المؤسسات والجهات الفاعلة والممارسات التي تتفاعل مع مجموعات اجتماعية وتقاليد ثقافية متنوعة. يمكن للدولة تمكين وتقييد العمل الاجتماعي، اعتمادًا على التكوينات الخاصة للقوة والمقاومة التي تشكل عملياتها. درس علماء الأنثروبولوجيا أيضًا دور الدولة في تشكيل عدم المساواة الاجتماعية والتنوع الثقافي. جادل البعض بأن الدولة هي آلية رئيسية لإعادة إنتاج الانقسامات الطبقية والعرقية من خلال امتياز مجموعات معينة على غيرها من خلال سياسات مثل الضرائب وتوزيع الأراضي والتنظيم الثقافي. وشدد آخرون على الطرق التي يمكن بها للجماعات المهمشة الطعن في سلطة الدولة وتخريبها، مما يؤدي إلى أشكال متنوعة من المقاومة.
أخيرًا، حلل علماء الأنثروبولوجيا الأبعاد العالمية لسلطة الدولة، واستكشفوا الطرق التي تتفاعل بها الدول القومية مع بعضها البعض ومع المؤسسات عبر الوطنية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي والشركات متعددة الجنسيات. لقد أظهروا أن الدولة ليست وحدة قائمة بذاتها ولكنها عقدة في شبكة معقدة من العلاقات التي تشكل تدفقات الأشخاص والسلع والأفكار عبر الحدود. بشكل عام، توفر النظريات الأنثروبولوجية للدولة فهمًا غنيًا ودقيقًا للطبيعة المعقدة والمتعددة الأوجه لسلطة الدولة. إنها تتحدى وجهات النظر المبسطة والحتمية للدولة وتسلط الضوء على تنوع العوامل الاجتماعية والثقافية والتاريخية التي تشكل عملياتها وآثارها على المجتمع.